جماعة أبي الجعد: أعرق المواسم الدينية والثقافية في قلب المغرب
شهدت مدينة أبي الجعد يوم الأربعاء 3 شتنبر 2025 لحظة مهيبة مع انطلاق فعاليات الموسم الديني والثقافي لسيدي بوعبيد الشرقي، أحد أعرق المواسم الروحية في المغرب. وقد تميز الافتتاح الرسمي بمراسيم رفيعة المستوى احتضنها ضريح الولي الصالح سيدي محمد الشرقي، حيث أشرف الحاجب الملكي والوفد المرافق له على إحياء هذه المحطة البارزة، بحضور عامل إقليم خريبكة، إلى جانب ممثلي المدينة ووجوهها المؤسِّسة، وفي مقدمتهم خليفة المجيدي، رئيس المجلس الجماعي لأبي الجعد وعضو البرلمان عن الإقليم، وبرلمانيي الإقليم الآخرين، والمنتخبين، والسلطات المحلية بمختلف تلاوينها. وقد شكّل حضور هذه الفعاليات تجسيدًا لمعنى “أصحاب الدار”، أي حراس الذاكرة الجماعية للمدينة وضامني استمرارية هذا الموروث الديني والثقافي عبر الأجيال.
تخللت هذه اللحظة الروحية فقرات دينية متعددة، أبرزها ختم السلك القرآنية مع تلاوة أمداح نبوية شريفة، والدعاء الصالح لمولانا أمير المؤمنين الملك محمد السادس، سبط الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، مع تلاوة البرقية المرفوعة إلى السدة العالية بالله. كما جرى تسليم الهبة الملكية الكريمة لحفدة الولي الصالح، وأُديت صلاة الظهر بالقبة المحمدية، في تجسيد لعُمق الارتباط التاريخي بين المؤسسة الملكية والزوايا الصوفية المغربية.
يحمل موسم سيدي بوعبيد الشرقي قيمة دينية وروحية خاصة، إذ يشكل مناسبة لإحياء ذكرى أحد أعلام التصوف بالمغرب، الشيخ أبي عبيد الله محمد الشرقي، مؤسس الزاوية الشرقاوية التي لعبت أدوارًا بارزة في نشر العلم وتربية المريدين على القيم الروحية الوسطية. وتُعتبر لحظة الدعاء لأمير المؤمنين، وللأسرة الملكية الشريفة، وللأمة الإسلامية جمعاء، تجسيدًا لروح البيعة الدينية والوطنية التي شكلت على مر التاريخ ركيزة من ركائز الوحدة المغربية.
وقد عرف البرنامج الرسمي لهذه الدورة برمجة غنية ومتكاملة، وزعت بين الأنشطة الدينية والندوات الفكرية والعروض الفنية والفلكلورية والفضاءات الاقتصادية والاجتماعية، مما منح الموسم طابعًا موسوعيًا يعكس تعددية أدواره. من أبرز هذه الأنشطة: دروس ومحاضرات علمية بعدد من مساجد المدينة، مسابقة إقليمية في حفظ القرآن الكريم وتجويده، قراءات قرآنية ودعوات خاصة بأمير المؤمنين، مائدة مستديرة في موضوع التصوف، ندوة حول التنمية الاجتماعية والمجالية، عروض التبوريدة التقليدية، استعراض الفرق الفلكلورية الشعبية، أمسيات المديح والسماع، عروض مسرحية، سهرات موسيقية شبابية، معارض للفنون التشكيلية والصناعة التقليدية والزربية، إلى جانب مبادرات اجتماعية هادفة كتوزيع المنافع الاجتماعية من الهبة الملكية على المستفيدين.
وقد أبان الموسم عن مستوى عالٍ من التنظيم بفضل تعبئة جماعية قادتها الزاوية الشرقاوية والمجلس الجماعي لمدينة أبي الجعد بشراكة مع جهة بني ملال خنيفرة وعمالة إقليم خريبكة والمكتب الشريف للفوسفاط، إضافة إلى انخراط فعاليات المجتمع المدني.
وفي تصريح خاص لخليفة المجيدي، رئيس المجلس الجماعي لأبي الجعد وعضو البرلمان عن الإقليم، أكد أن: «موسم بوعبيد الشرقي أو موسم ولي الله أبو عبيد الله سيدي امحمد الشرقي أحد أعرق المواسم الدينية والثقافية بالمغرب، ويُنظم سنوياً بمدينة أبي الجعد تخليداً لذكرى الولي الصالح سيدي بوعبيد الشرقي، مؤسس الزاوية الشرقاوية. يُعدّ الموسم ثاني أكبر موسم في المملكة بعد موسم مولاي عبد الله أمغار، من حيث الزخم الجماهيري وعدد الزوار وتنوع الأنشطة الدينية والثقافية والفلكلورية التي يشهدها، وقد اكتسب طابعًا احتفاليًا وروحيًا يجمع بين الطقوس الصوفية وعروض الفروسية والأنشطة التجارية الشعبية، مما يجعله محطةً سنوية بارزة في الذاكرة الجماعية للمنطقة».
يظل موسم سيدي بوعبيد الشرقي أكثر من مجرد احتفال ديني أو مهرجان ثقافي، بل هو فضاء جامع بين الروحانية والتراث والتنمية. فهو يرسخ مكانة أبي الجعد كمنارة للعلم والتصوف، ويُنعش في الوقت ذاته السياحة الدينية والثقافية، ويدعم الاقتصاد المحلي عبر الصناعة التقليدية والأنشطة التجارية. وبذلك يواصل الموسم رسالته كجسر بين الماضي والحاضر، وكعنوان بارز لارتباط الهوية المغربية بموروثها الديني والروحي العريق.