✍️ جمال رياض دكتور في القانون العام والعلوم السياسية جامعة محمد الخامس بالرباط
على غرار العديد من البلدان ، ومنذ ثمانينيات القرن الماضي، شرع المغرب في تنفيذ سياسات لجذب الاستثمارات وتعزيز القرب من المواطن، بهدف تحسين مناخ الأعمال، وتشجيع المستثمرين وتأهيل المجالات الترابية من جهة، وخلق أنشطة مدرة للدخل وتلبية تطلعات السكان في الحصول على الخدمات الأساسية من جهة أخرى. لا شك أن هذه السلسلة من الإصلاحات حسنت أداء المجال المغربي بشكل واضح، غير أن فوارق كبيرة لا تزال قائمة بين الجهات، خصوصًا من حيث التنمية الاقتصادية والاجتماعية، و تكوين الرأس المال البشري، وتكثيف البنى التحتية الأساسية والاستثمارات. ويعود ذلك أيضًا إلى ضعف استخدام آليات التضامن بين الجماعات الترابية وعدم فعاليتها.
ورغم أن السياق الدولي، المتسم بعدم اليقين وتكرار الأزمات بمختلف أنواعها (اقتصادية، صحية، أمنية، جيوسياسية…) لم يكن دائمًا ملائمًا لترسيخ أسس تنمية ترابية شاملة ومستدامة في المغرب، إلا أن العوامل الداخلية تبقى هي المجال الذي يمكن ويجب العمل عليه لمعالجة الوضع. لذا فإن توجيه التنمية على أساس ترابي، مع تعبئة كل الأطراف المعنية بشكل منسجم في إطار موحد، قد يشكل مسارًا يمهد لتحقيق الطموح في الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي لجميع المناطق بالمملكة.
من جهة أخرى، فإن تعزيز مسار اللامركزية، وتوجيه السياسات العمومية نحو المجال الترابي، وإعادة توجيه الاستثمار العمومي – خاصة في إطار تفعيل مقتضيات الجهوية المتقدمة وتوزيع الاستثمارات – سيمكن الجماعات الترابية من الموارد الضرورية والصلاحيات الموسعة للعمل مجاليًا عبر آليات جديدة، تسمح للجهات بلعب دور رئيسي في تنميتها الذاتية.
وفي سياق النداء الملكي لإحداث قفزة نوعية والوصول بالاستثمار الخاص إلى ثلثي الاستثمار الإجمالي في أفق 2035، فإن تحفيز الاستثمار الخاص وتوجيه المشاريع نحو القطاعات المنتجة والمولدة لفرص الشغل والقيمة المضافة في مختلف جهات المغرب خيار مناسب لمحاربة الفوارق الجهوية وتحقيق تنمية شاملة.
انطلاقًا من ذلك، يبرز السؤال: كيف يمكن وضع أسس تنمية شاملة للمجالات الترابية عبر العمل على توجيه وحوكمة الاستثمار للحد من الفوارق الجهوية؟ للإجابة، نقترح أولًا تشخيص وضعية الفوارق الجهوية بالمغرب، والتركيز ثانيا على الأسباب والمقاربة التي يتبناها النموذج التنموي الجديد لتجاوزها، وثالثا تسليط الضوء على إعادة توجيه الاستثمار والشراكات بين القطاعين العام والخاص كوسائل لتسريع التنمية الترابية للبلاد.
_1. الفوارق المجالية ومحدودية النموذج التنموي.
تزايد التفاوتات الاجتماعية والمجالية داخل المغرب، بالإضافة إلى إفقار شريحة معتبرة من السكان، هو واقع ملموس أجمعت عليه تقارير المؤسسات الحكومية وغير الحكومية. لدرجة أن ملك البلاد حفظه الله لا يتوقف عن التأكيد في خطاباته على أن أحد أهم اختلالات النموذج الاقتصادي المغربي يكمن في استمرار هذه التفاوتات، وأنه رغم تقليص الفقر، فإن هذه الفوارق المجالية ما تزال تمس مختلف أبعاد الحياة المجتمعية.
فيما يلي، نعرض تحليلاً حول مظاهر هذه التفاوتات وبعض العناصر الأساسية للنموذج التنموي، مثل التعليم والاستثمار اللذين يعتبران من المجالات التي تظهر فيها التفاوتات، وتزيد في نفس الوقت من استمرارها أو تفاقمها.
بلغت التفاوتات في المغرب مستوى مثيراً للقلق، وكل التقارير الرسمية اليوم متوافقة على هذا الوضع. فمؤشر جيني، الذي يقيس درجة توزيع الدخل، يُقدّر بنحو 0.39، أي قيمة تفوق المتوسّط العالمي، مما يصنّف المغرب ضمن البلدان الأقل مساواة.
هناك مؤشر آخر أكثر دلالة وهو متوسط دخل أغنى 10٪ من المغاربة يعادل 12 مرة دخل أفقر 10٪ منهم.
إن هذه التفاوتات تظهر بشكل أكبر عند النظر إلى البعد الترابي: فالمناطق القروية، وخصوصاً المناطق الجبلية والصحراوية، غالباً ما تعاني من ظروف عيش صعبة وولوج محدود للخدمات الأساسية مثل التعليم، الصحة والبنيات التحتية، وهو ما يعكس التوزيع غير العادل للاستثمارات. إن خريطة الاستثمارات في المغرب توضح بجلاء وجود اختلالات تُبرّر الفوارق الاقتصادية وتُعمّق التفاوتات المجالية من حيث التنمية؛ إذ غالباً ما تتركز الاستثمارات في المدن الكبرى ومناطق الحواضر، خاصة المناطق الساحلية مثل الدار البيضاء والرباط، التي تستحوذ على حصة غير متكافئة من رؤوس الأموال، في حين تبقى المناطق الداخلية والقروية أقل حظاً من فرص الاستثمار.
أما بالنسبة للاقتصاديين الذين يدافعون عن أطروحة ” التفاوت في الثروات يخلق التنمية” ، فهذه التفاوتات من المفترض أن تنخفض تلقائيًا عند بلوغ حد معين من النمو: ارتفاع الأرباح يجذب الاستثمار الذي يخلق فرص عمل جديدة ويزيد الدخل، ما يؤدي بالتالي إلى تقليص الفوارق. لكن، في المغرب، لم تتحقق هذه الفرضية؛ فعلى الرغم من نسب الاستثمار المرتفعة، لم ينجح المغرب في خلق وظائف كافية أو ضمان ارتفاع سريع في دخل السكان.
أكثر من ذلك، ومع استمرار النمو، تظهر معضلة ضعف الحركية الاجتماعية؛ إذ أن 3,1% فقط من أبناء الفلاحين يبلغون مراتب الأطر المتوسطة أو العليا، و6,3% فقط من أبناء العمال يصلون لنفس المستوى.
وترجع هذه الأرقام، في الأصل، إلى التفاوت في فرص الولوج إلى التعليم والصحة والسكن اللائق، لكنها تتغذى أيضاً من الارتفاع المتزايد في تركز الثروة، مما يستدعي التدخل لإرساء أسس عدالة مجالية واجتماعية عبر حكامة الاستثمار وتوزيع الثروة، قبل أن تبلغ التفاوتات درجة تؤدي إلى هشاشة الروابط الاجتماعية من جهة، وضعف الإنتاجية والاستثمار من جهة أخرى.
وبالإضافة إلى هذه المؤشرات الدالة على محدودية النموذج التنموي الحالي في المغرب، تظهر مؤشرات أخرى أيضاً:
فعلى الرغم من التقدم الملحوظ في بعض المجالات، لا يزال المغرب يواجه معدلات بطالة مرتفعة، خاصة في أوساط الشباب من ذوي الشهادات. النموذج الحالي لم ينجه في خلق وظائف كافية وذات جودة لامتصاص أعداد الباحثين عن عمل، ما أدى إلى إحباط وهجرة كبيرة للشباب نحو الخارج. وأيضاً، يُنتقد النموذج المغربي لاعتماده الكبير على قطاعات أساسية معينة مثل السياحة، الفلاحة، والصناعات الاستخراجية، ما يجعل الاقتصاد هشًّا أمام تقلبات السوق العالمية ويحد من تنويعه وإطلاق فرص الشغل في قطاعات ذات قيمة مضافة أكبر.
بالتالي، وعلى الرغم من المجهودات الحكومية، تبقى التحديات كبيرة لإرساء مجتمع يتمتع فيه كل المواطنين بحقهم في الولوج إلى خدمات عالية الجودة، وتتوفر فيه المناطق على ظروف حياة كريمة سواء في المدينة أو في البادية.
أي أن هناك ملحاحية لاعتماد مقاربة جديدة فعالة وشاملة لتحقيق التنمية وتقليص الفوارق الجهوية بشكل ملموس.
2. المقاربة الترابية للتنمية والياتها
تجديد النموذج التنموي في المغرب يوجد اليوم عند مفترق طرق الإصلاحات المتعددة. وفي هذا السياق، فقد تم تعيين لجنة خاصة بالنموذج التنموي من طرف جلالة الملك، والتي وضعت خارطة طريق ستمكن المغرب من تقليص التفاوتات الاجتماعية والمجالية، والحد من حجم البطالة، وتجاوز محدودية الثروات التي ينتجها الاقتصاد الوطني، خاصة وأن معدل النمو ظل شبه ثابت حوالي 3% كمعدل سنوي منذ سنوات.
النموذج الجديد المتبنى، كما تم تقديمه في تقرير اللجنة الخاصة، يقوم على مقاربة ترابية تعترف بأهمية الخصوصيات الجهوية، والموارد المحلية، واحتياجات مختلف مناطق المغرب. وتُركز هذه المقاربة على اللامركزية وعدم تمركز السلط، لمنح الجهات مزيدًا من الاستقلالية في التخطيط وتدبير التنمية المحلية. كما تشجّع أيضًا مشاركة الفاعلين المحليين، من جماعات ترابية، ومؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، في اتخاذ القرار وتنفيذ السياسات التنموية.
قبل إبراز رافعات هذه المقاربة وآلياتها لمحاربة التفاوتات الجهوية في المغرب، من المهم التذكير بأن النظريات التي اقترحت مبدأ التنمية الموجهة ترابيًا أكدت على مزايا هذه المقاربة في تقليص التفاوتات الجهوية، وتكييف التدخلات مع الواقع المحلي، وضمان المشاركة الفعلية للفاعلين المحليين، وتشجيع التعاون بين الجهات، وتكريس اللامركزية، وتحميل الأطراف المحلية المسؤولية، إضافة إلى الاستهداف الأدق للاحتياجات والأولويات الخاصة بكل جهة.
تقدم هذه النظريات رؤى متعددة حول التنمية الترابية، مع التأكيد بالأساس على جوانب مثل اقتصاديات التكتل، المزايا التنافسية الجهوية، وشبكات الاتصال الحديثة. بالنسبة لبول كروغمان، الذي طور مفهوم “الاقتصاد الجغرافي الجديد”، فإن هذه المقاربة تحلل أثر العوامل الجغرافية مثل تمركز الأنشطة الاقتصادية، والتكتلات الصناعية، وشبكات النقل على النمو الاقتصادي الجهوي، مشيرًا إلى أهمية اقتصاديات التكتل والآثار الخارجية المجالية في التنمية الترابية.
بدوره، طور مايكل بورتر مفهوم “الميزة التنافسية للجهات”. ووفقًا له، يمكن للجهات تطوير ميزات تنافسية من خلال التخصص في صناعات معينة وإنشاء تكتلات جهوية. كما يؤكد بورتر على ضرورة التعاون بين الشركات والمؤسسات والحكومات المحلية لتعزيز الابتكار والتنافسية الجهوية، حتى تتحقق تنمية متوازنة للجهات.
مع الأخذ بعين الاعتبار التنمية في سياقها الأوسع، قام عالم الاجتماع وعالم الاقتصاد الإسباني كاستيلز بتطوير نظرية “المجتمع الشبكي”. ويرى أن التنمية المجالية يجب أن تُفهم ضمن السياق الكبير للعولمة ومجتمع المعلومات. يركز كاستيلز، بشكل خاص، على دور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة في خلق شبكات وروابط بين الجهات، مما يمكن أن يدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وهكذا، وبالنظر للخصائص الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية المختلفة لكل جهة، يمكن لهذه المقاربات أن تساهم في فهم وفي تنفيذ السياسات التنموية الجهوية. وفي الواقع، فإن المقاربة الترابية تسمح بأخذ هذه الخصوصيات والوقائع المحلية بعين الاعتبار أثناء التخطيط وتطبيق سياسات التنمية، وذلك عبر تركيز الاستثمارات والسياسات والموارد في المناطق الأكثر حاجة، مع ترسيخ مبادئ التضامن والتعاون والمنافسة الإيجابية.
أما في حالة المغرب، وضمن إطار هذه المقاربة المجالية، فإن الحكومة المغربية مدعوة لجعل توصيات لجنة النموذج التنموي الجديد واقعية التطبيق، والتفكير في الرافعات التي يمكن للسياسات العمومية تفعيلها لتوجيه السلوكيات التلقائية نحو نظام اقتصادي واجتماعي جديد يتميز بتوزيع أكثر توازنًا للثروة، ليس فقط بما ينسجم مع مبدأ الإنصاف والعدالة، بل أيضاً بما يمنح الاقتصاد دينامية نمو أكثر استدامة.
بعبارة أخرى: من الضروري إطلاق مشاريع وبرامج دامجـة ومتكاملة، تهدف إلى تعزيز تنمية الجهات الأقل حظاً بكل أبعادها، مع الحفاظ في الآن نفسه على وتيرة نمو عالية في الجهات المتقدمة. ويتطلب هذا الهدف، ضمن أشياء أخرى، تقاسم المسؤولية عبر إشراك كل الفاعلين، واعتماد إدارة محلية قريبة من المواطن قائمة على اللامركزية واللاتمركز الإداري والمالي، واستثمارات ناجعة ومستهدفة، ونمو مستدام ومتين.
وفي ذات السياق، يلاحظ تقرير النموذج التنموي الجديد أنه مع تفاقم تعقيدات العالم وتعدد التحديات التي تواجه المغرب، تبرز الحاجة المستعجلة لاعتماد أجوبة لا تقتصر فقط على التشخيص الجديد أو استراتيجية تقنية جديدة، بل تقوم على طريقة جديدة للتنمية، وهي تحقيق التكامل بين دولة قوية ومجتمع قوي.
دولة تستمد قوتها من قدرتها على التوجيه والتدبير والإدارة بانسجام مع توجه واضح وسهل الفهم للجميع، وبآليات تناسب تعقيد عصرنا وصعوبته، وتعمل كذلك على تطوير وتقوية القدرات الذاتية والتنظيمية لكافة الفاعلين.
3 . حكامة الاستثمار وتعزيز الشراكة كمدخل لمعالجة التفاوتات
إن الحكامة الجيدة للاستثمار تعزز ثقة المستثمرين، وتشجع تدفق الاستثمارات المستدامة، وتدعم النمو الاقتصادي، وتخلق فرص العمل، وتساهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجالات، وبالتالي تؤدي إلى تحقيق تنمية المجالات وتقليص الفوارق بين الجهات. في هذا السياق، يعتبر تعزيز جاذبية المجالات لجلب الاستثمارات الخاصة، وتركيز الاستثمار العمومي في المناطق الأقل حظاً، وتثمين الشراكات بين القطاعين العام والخاص، من الرافعات الأساسية لمحاربة التفاوتات الجهوية.
وهنا يُطرح التساؤل: ما هي الإجابات التي يقدمها الميثاق الجديد للاستثمار فيما يتعلق بإعادة توجيه الاستثمار؟
تعني جاذبية المجالات قدرتها على الاستقطاب والاستمرار بجلب الاستثمارات، والمؤسسات، والكفاءات، والسياح، والسكان. وهو مفهوم رئيسي في التنمية المجالية والتنافسية الاقتصادية. وقبل إبراز الآليات والأدوات التي حملها الميثاق الجديد للاستثمار لتحسين جاذبية المجالات وإعادة توجيه الاستثمار الخاص نحو المناطق الأقل نمواً، يجب التذكير بأن الجاذبية الترابية تعتمد على متغيرات اقتصادية، وبنية تحتية، ونظمية، وجغرافية، إضافة إلى عناصر تتعلق بالموارد البشرية، وجودة الحياة، والابتكار، والدينامية المقاولاتية.
لذلك، يُعد وجود بيئة اقتصادية مستقرة، وواضحة، وملائمة ضرورياً لجذب الاستثمارات والمقاولات. ويشمل ذلك وجود ضوابط واضحة وملائمة للمقاولات، وسياسات جبائية محفزة، وإمكانية الولوج إلى الأسواق والبنيات التحتية، بالإضافة إلى تقديم تحفيزات اقتصادية مثل الدعم والمزايا المالية.
إضافة إلى ذلك، تُعد البنيات التحتية الحديثة والمتطورة من شبكات النقل والاتصالات والخدمات العمومية والتجهيزات الاجتماعية عناصر هامة لجاذبية المجال. كما أن توفُّر يد عاملة مؤهلة وملائمة لاحتياجات المقاولات عامل أساسي، حيث يجتذب المجال الذي يوفر تعليما عالي الجودة، وتكويناً مهنياً، وبحثاً علمياً، المقاولات والمستثمرين الباحثين عن مهارات خاصة.
فضلا على أن المجالات التي تشجع الابتكار، وروح المقاولة، وإحداث المقاولات، غالباً ما تكون أكثر جاذبية. فوجود منظومات للابتكار ومراكز البحث، وحاضنات ومسرّعات مشاريع، وشبكات للمقاولين يدعم خلق فرص شغل، والابتكار، والنمو الاقتصادي.
أما دور الدولة في هذا المجال، فيكمن في وضع سياسات وإجراءات لخلق بيئة مشجعة للأعمال، وتطوير البنية التحتية، ودعم الرأسمال البشري، وتعزيز الابتكار والمبادرة المقاولاتية، وتنسيق الفاعلين المحليين وتسويق المجال. وإذا كان الاستثمار العمومي في المغرب يموّل بدرجة كبيرة مشاريع البنيات التحتية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بالإضافة إلى مبادرات أخرى لتحفيز النمو وتحسين ظروف عيش السكان، فإن الدولة لا يمكنها الاستمرار على نفس المنوال إلى ما لا نهاية، مما يجعل اللجوء للقطاع الخاص ضرورة ملحة.
في هذا السياق، اتخذ المغرب إجراءات جريئة لتحديث إطاره القانوني الخاص بالاستثمار، انسجامًا مع مبادئ “النموذج التنموي الجديد” كما تم تقديمها أعلاه. فتم اعتماد “ميثاق جديد للاستثمار” يهدف بشكل أساسي إلى تقليص الفوارق المجالية، وتشجيع الإنتاج المحلي، وتطوير انفتاح الشركات المغربية دوليًا، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتحسين مناخ الأعمال، واستهداف القطاعات ذات الأولوية، وخلق وظائف مستقرة، وزيادة الاستثمار الخاص، وتحقيق التنمية المستدامة.
ولتحقيق هذه الأهداف، تم هيكلة الميثاق حول ثلاثة ركائز أساسية: إحداث آليات دعم الاستثمار، تحسين بيئة الأعمال، وتعزيز حوكمة موحدة ولا مركزية.
ولتوجيه الاستثمارات نحو الجهات الأقل حظًا، وفي إطار الإجراءات الرامية إلى رفع الاستثمارات الخاصة إلى ثلثي مجموع الاستثمارات بحلول سنة 2035، تم سن مجموعة من التحفيزات التفضيلية في شكل أربعة أنظمة لدعم الاستثمار:
1. نظام الدعم الرئيسي للاستثمار
2. نظام الدعم المتعلق بالمشاريع ذات الطابع الاستراتيجي
3. نظام الدعم الخاص بتنمية المقاولات المغربية دوليا
4. نظام الدعم الخاص الموجه للمقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة.
لا شك أن الحوافز التي تقدمها الدولة للمستثمرين تُعد وسيلة فعّالة لتسريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجالات، وتشجيع الشركات على الاستقرار بها وتطوير أنشطتها من خلال مساعدتها على تقليص التكاليف والمخاطر المرتبطة بالاستثمار. غير أن هذا التأثير الإرادي لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود حكامة قائمة على مبادئ الشفافية، والنزاهة، والمسؤولية، والمشاركة. وفي سياق هذه الحكامة المنشودة، تُعد الشراكات بين القطاعين العام والخاص أداة ضرورية للجمع بين موارد وخبرات القطاعين لتحقيق مشاريع كبرى.
ختاما فمكافحة الفوارق الجهوية تعتبر تحديا معقدا ومتعدد الأبعاد في كثير من الدول، بما فيها المغرب، والحد من هذه الفوارق يتطلب مقاربة شمولية تشمل التنسيق الفعال بين مختلف مستويات الحكامة، وتعبئة الموارد المالية الكافية، وتخطيطاً استراتيجياً طويل المدى، إلى جانب مشاركة جماعية حقيقية من جميع الفاعلين المحليين لتحقيق تطور فعلي وتنمية مندمجة.