بقلم: سمية مسرور
في تشيلي، لم يكن المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة يلعب فقط من أجل كأس العالم، بل كان يلعب باسم مشروع، وبروح رؤية ملكية آمنت منذ البداية بأن الكرة ليست مجرد لعبة، بل مدرسة وطنية لتخريج الأبطال وصناعة المستقبل.
لقد دوّى النشيد الوطني بين جنبات الملعب بعد الانتصار التاريخي على الأرجنتين بهدفين نظيفين، لكن الصدى الحقيقي كان في قلوب ملايين المغاربة، الذين رأوا في هذا التتويج ثمرة لمسار طويل بدأ منذ سنوات في المعمورة، داخل مركب محمد السادس لكرة القدم، حيث تُصنع الأقدام وتُهذّب العقول وتُربّى الروح على الانتماء قبل المهارة.
رؤية ملكية… تُترجمها الأقدام
حين وضع جلالة الملك محمد السادس تصوره للرياضة، كان يؤسس لما يشبه “خطة لعب وطنية”، أساسها الاستثمار في البنية، الرهان على الشباب، وتوسيع رقعة الحلم المغربي لتشمل كل القارات.
ومنذ ذلك الحين، لم تعد كرة القدم المغربية صدفة أو نَفَس حماسي مؤقت، بل أصبحت منظومة متكاملة، تُدار بالعلم والتخطيط والاحتراف.
فاليوم نرى أجيالاً من اللاعبين خرجوا من الأكاديميات الوطنية، يؤمنون بأن تمثيل الوطن شرف لا يُشترى، وأن حمل القميص الأحمر مسؤولية لا يُتهاون فيها.
أسود صغار… بروح الكبار
في كل لمسة، في كل تمريرة، في كل تدخل دفاعي وهجمة مرتدة، كان واضحاً أن هؤلاء الشباب يحملون هوية كروية مغربية خالصة مزيج من المهارة الإفريقية، والانضباط الأوروبي، والعزيمة المغربية التي لا تعرف الاستسلام.
لقد واجهوا مدارس كروية عريقة: من البرازيل إلى الأرجنتين، ومع ذلك لم يُرهَبوا، لأنهم تعلموا من مدربيهم ومؤطريهم أن الثقة بالنفس هي أول ركلة نحو المجد.
من المعمورة إلى المجد العالمي
البطولة لم تكن وليدة الصدفة. كانت ثمرة سنوات من العمل الصامت، والتخطيط الذكي، والتوجيه الملكي الذي جعل من الرياضة أولوية وطنية.
مركب محمد السادس لم يُبنَ للزينة، بل ليكون ورشة لصناعة الحلم المغربي، وقد أثمر اليوم عن جيل شاب أعاد للمغاربة ثقتهم بأن المستقبل يُبنى بالعرق، لا بالصدف.
كرة القدم كقوة ناعمة للوطن
فوز المغرب بهذا اللقب هو أيضًا انتصار للدبلوماسية الرياضية التي تبناها جلالة الملك، حيث أصبحت كرة القدم جسرًا يربط المغرب بالعالم، ولغة عالمية تنطق باسم المملكة في المحافل الكبرى.
هذا التتويج يثبت أن رؤية الملك ليست محصورة في الفوز بالمباريات، بل في تحويل الرياضة إلى علامة للنهضة الوطنية، تماماً كما فعلت الدول الكبرى التي بنت سمعتها من خلال ملاعبها قبل مصانعها.
البداية من جديد
اليوم، والعالم يُحيّي إنجاز “أسود المستقبل”، علينا أن نُدرك أن الفوز ليس نهاية القصة، بل بدايتها.
فالمعركة القادمة هي الحفاظ على التوهج، وضمان انتقال هؤلاء الشباب نحو المنتخب الأول بنفس الروح والانضباط.
أما الرؤية الملكية، فقد سبقت الزمن كعادتها، وحددت الاتجاه بوضوح: الرياضة ليست لهوا…، بل استثنار في الانسان .
وها هو الإنسان المغربي، بعقله وقدمه، يكتب فصلاً جديدًا في تاريخ كرة القدم العالمية.