خديجة ناصر، باحثة في ماستر التميز في العلوم الجنائية والأمنية
إن القانون 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة بمثابة خطوة تشريعية متقدمة في مسار إصلاح السياسة الجنائية المغربية، حيث جاء لأول مرة بعقوبات غير سالبة للحرية كبديل للعقوبات الحبسية في الجنح التي لا تتجاوز مدتها خمس سنوات. ويعكس هذا القانون توجها نحو عدالة أكثر إنسانية وفعالية، تهدف إلى الحد من الاكتظاظ السجني، وتقليل التكاليف الاقتصادية، وتعزيز إعادة الإدماج الاجتماعي للمحكوم عليهم، في إطار فلسفة عقابية حديثة تراعي التوازن بين الردع والإصلاح.
فالقانون 43.22 ينص على مجموعة من العقوبات البديلة التي يمكن للمحكمة أن تحكم بها وفق شروط محددة، وهي:
1. العمل لأجل المنفعة العامة:
ينفذ بدون مقابل لفائدة مؤسسات عمومية أو جمعيات ذات نفع عام، ويتراوح بين 40 و3600 ساعة. يُراعى فيه سن وجنس ومهنة المحكوم عليه، ويهدف إلى تحويل العقوبة إلى مساهمة إيجابية في المجتمع.
2. الغرامة اليومية:
تحدد المحكمة مبلغا ماليا يتراوح بين 100 و2000 درهم عن كل يوم من العقوبة الحبسية، مع مراعاة الوضع المالي للمحكوم عليه ومدى جسامة الجريمة. هذه العقوبة تمنح مرونة للقاضي وتُراعي العدالة الفردية، لكنها قد تثير جدلًا حول العدالة الطبقية.
3. السوار الإلكتروني:
يستخدم لتتبع حركة المحكوم عليه إلكترونيا، وتحدد المحكمة مكان ومدة المراقبة وفق شروط صحية واجتماعية دقيقة. يمكن اعتبار هذا الإجراء وسيلة حديثة للمراقبة، لكنه يطرح إشكالات تتعلق بالخصوصية والفعالية النفسية والاجتماعية.
4. التدابير الوقائية أو العلاجية أو التأهيلية:
تشمل الإقامة المقيدة، العلاج النفسي، التعهد بعدم الاتصال بالضحايا، أو متابعة تعليم أو تدريب مهني. تهدف هذه التدابير إلى إصلاح الجاني بدل معاقبته، لكنها تتطلب موارد بشرية ومؤسساتية لضمان فعاليتها.
و يشترط القانون لتطبيق هذه العقوبات أن تكون الجريمة المرتكبة جنحة لا تتجاوز عقوبتها خمس سنوات، وألا يكون المحكوم عليه في حالة عود. كما يجب تنفيذ العقوبة البديلة خلال ستة أشهر من صدور الحكم، قابلة للتمديد مرة واحدة. ولا تطبق هذه العقوبات في الجرائم الخطيرة مثل الإرهاب، الاتجار بالبشر، غسل الأموال، والجرائم العسكرية.
إذ يرتكز القانون 43.22 على فلسفة عقابية تهدف إلى تحقيق التوازن بين حماية المجتمع وإصلاح الجاني، من خلال:
– الحد من الاكتظاظ السجني الذي يعيق برامج التأهيل ويثقل كاهل الدولة.
– تقليل التكاليف الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالسجن.
– تعزيز إعادة الإدماج الاجتماعي للمحكوم عليهم، عبر إبقائهم في محيطهم الأسري والمهني.
– تحقيق العدالة التصالحية، التي تركز على إصلاح العلاقات المتضررة بدل الاقتصار على العقاب.
– فالمشرع المغربي عبر العمل لأجل المنفعة العامة يهدف إلى تحويل العقوبة إلى مساهمة إيجابية أكثر إنسانية من السجن خاصة عندما يتعلق الأمر بجرائم بسيطة المتمثلة في الجنح.
– أما السوار الإلكتروني الذي يعتبر من بين الوسائل الأكثر استعمالا في تنفيذ العقوبة غير السالبة للحرية على مستوى العالم ، فهو بمثابة وسيلة حديثة للمراقبة مما يشكل عائقا أمام الخصوصية ، بالإضافة إلى التدابير العلاجية و التأهيلية التي تحاول التركيز على إصلاح الجاني بدل معاقبته ، لكنها تتطلب موراد بشرية و إمكانيات مؤسساتية لضمان فعاليتها.
يمثل القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة تحولا جوهريا في فهم وظيفة العقوبة داخل المنظومة الجنائية المغربية، حيث لم تعد العقوبة مجرد وسيلة للزجر فقط ، بل أصبحت أداة للإصلاح وإعادة الإدماج داخل المجتمع. فرغم أهمية هذا التوجه، فإن نجاحه يظل رهينا بمدى جاهزية المؤسسات القضائية و الإصلاحية والاجتماعية لتطبيقه، وتوفير الموارد اللازمة، وتغيير العقليات المجتمعية نحو قبول هذه البدائل كوسائل فعالة لتحقيق العدالة الجنائية المستدامة.
مقال جميل و مفيد. بارك الله فيك أيتها الباحثة. واصلي عملك و اجتهادك.