في الوقت الذي تواصل فيه فعاليات الأيام الثقافية والفنية والاجتماعية بخريبكة إثارة النقاش العمومي، برزت على السطح معطيات مالية نقلها الناشط الإعلامي والمدني الشرقي بكرين على صفحته الرسمية، عن المستشار الجماعي ببلدية خريبكة، محمد عفيف، تكشف جانباً من الصورة حول الميزانية المرصودة لهذا الحدث الذي نظمته الجماعة بشراكة مع المجمع الشريف للفوسفاط.
بحسب ما صرح به عفيف، فقد بلغت الكلفة الإجمالية 85 مليون سنتيم، ساهمت فيها الجماعة بـ60 مليون سنتيم، والمجمع الشريف للفوسفاط بـ25 مليون سنتيم. ووزعت المصاريف، حسب قوله، على تعويضات للفرق الشعبية تراوحت بين 5 آلاف و30 ألف درهم، بإجمالي لا يتجاوز 30 مليون سنتيم، إضافة إلى 20 مليون سنتيم للمنصة والصوتيات، وحوالي 50 ألف درهم للندوات والمحاضرات والملتقيات الأدبية والإبداعية.
لكن النقطة المفصلية التي لا يمكن تجاهلها هي الصيغة التي اختارها المستشار في بداية توضيحاته، حين قال: «إليك ما أعلمه من تفاصيل». هذه الجملة، على بساطتها، تحمل دلالات سياسية وإدارية عميقة، إذ تعني أن ما تم عرضه لا يمثل بالضرورة كل المعطيات، وأن هناك جزءاً من الحقيقة قد يكون خارج دائرة معرفة أو متابعة المستشار. وهنا تبرز معضلة الشفافية الكاملة التي تظل مطلباً أساسياً حين يتعلق الأمر بتدبير المال العام.
المجلس الجماعي، بصفته الجهة المنظمة، يتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية في تقديم تقرير شامل وموثق للرأي العام، لا يترك فراغات تسمح بتعدد الروايات وتباين الأرقام. فالحديث عن أن “المال العام محضي في السما والأرض” لا يكفي لضمان الثقة، ما لم يقترن ذلك بإجراءات مؤسساتية واضحة: نشر تفاصيل الاتفاقيات، عرض فواتير المصاريف، وتحديد أوجه الصرف بدقة، حتى تُقطع الطريق على أي تأويل أو تشكيك.
إن ما جاء على لسان المستشار محمد عفيف، رغم ما يتسم به من نية واضحة للتوضيح، يكشف – عن غير قصد – أن آلية تدبير هذا الحدث ما زالت تعاني من قصور في التواصل الرسمي الشامل، وأن المجلس لم يُحسن إدارة ملف حساس بهذا الحجم، حيث تتقاطع فيه صورة المدينة أمام ساكنتها مع مبدأ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وفي النهاية، فإن الجدل حول ميزانية الأيام الثقافية والفنية والاجتماعية بخريبكة لا يخص فقط حجم المبالغ المرصودة أو أوجه صرفها، بل يضعنا أمام سؤال أكبر: متى سننتقل من تبريرات فردية إلى شفافية مؤسساتية تجعل المعلومة ملكاً للجميع قبل أن تتحول إلى مادة للتأويل أو مادة للتداول في مواقع التواصل الاجتماعي؟