محمد الخمسي

مما ضيع علينا نظامنا التعليمي انه لم يزرع فينا السعادة بالسفر، عبر زرع روح مادة التاريخ ومادة الجغرافية، فالاولى تعطيك مفاتح الزمن والثانية تعطيك مفاتيح السير في الارض، ونظامنا التعليمي لم يزرع فينا زيارة المتاحف ، ولم يزرع فينا اكتشاف عمران المسرح او السينما، ولم يعطينا القدرة على التفكير في ما يميز المناطق و ما تتمتع به من خصوصيات ثقافية وفنية ولغوية، ولم تحبب لنا الاسئلة الفضولية غير اسئلة النميمة و التلصص على خصوصيات الناس، وقياس احجامهم الجسمية، فزي الاطلس بالعين الغبية مثل زي شمال المغرب او جنوبه ، عيون بليدة لا تكتشف الالوان والتفاصيل، ولا تعرف لذة الاطباق ولا توابلها، وباختصار:
تكونت لدينا فكرة سخيفة ان السفر إما ان تكون معه “خنشا” من المال، لشراء الاشياء دون الحاجة لها، فقط لاننا لا نستطيع ان تمتع بالمشاهدة والتجوال، فحتى لو كانت خزانة الملابس قد تحولت الى معرض الازياء هناك جوع وجشع للشراء، وتبدأ الذاكرة تستحضر ما عند الاصدقاء والاقارب لشراء مثل ما عندهم او اغلى مما عندهم، هوس النقص وما هو بنقص ولكن ضحالة الثقافة جعلتها خصاصا لابد من استدراكه
والسفر ايضا فرصة لصناعة ألبوم، وهو في الحقيقة متعة من السعادة وجزء منها، الا اننا حولناه لألبوم الذاتية بنرجيسية خفية، لا صور للمعالم ولا للطبيعة ولا للبحر ولا للبر ولا الصحراء ولا للوحات ولا للحدائق ولا للحيوانات،ولا اهتمام بالمراكز او المتاحف او مشاهد من عمران ذكي، وانما تصوير اطباق فخمة مرتفعة الثمن فقط للقول هذه وجباتنا في السفر، وفنادق تحمل عددا كثيرا من النجوم ودون ذلك ليس بسفر ، بشكل عام معظم شعوب العالم تتمتع بالسفر بامكانات أقل وتصنع الساعدة والراحة بوسائل محدودة، (استثني هنا ثقافة شعوب دول الخليج وذلك لاسباب اجتماعية وثقافية اخرى مرتبطة برخاء الثمانينات وطبيعة المناخ واسباب خاصة) وقد تسافر مسافات بعيدة بحقيقة متوسطة او صغيرة الحجم، نحن اسفارنا عبارة عن رحيل، وانظر لتجربة العودة من المطار لتكتشف هذه الثقافة، وانظر الى السفر في القطار ايام العطل، كل شخص من العائلة ترافقه خزانة ملابسه الصيفية والشتوية والربيعية، عذاب فوق العذاب، لانه بعد السفر سيعود باضعافها اي بالحاضر والماضي والمستقبل من الملابس! هل بعد هذا البؤس بؤس؟
ومع بداية السفر تتحول الهواتف الى نقل مباشر للاكل الى حد بلغ من انحراف الذوق ، بلدوصل الفراغ الى ان ينقل الانسان لحظة ولوجه المرافق الصحية، حيث تقف الكاميرا على عتبة فضاء قضاء الحاجة، ومن يدري مع هذا الهوس ما سيكون غدا؟
ضعف ثقافة السفر وعدم انتقاء الصور وعدم التمييز بين المناظر الجميلة، والتركيز على المشاهد الخلابة، غرق الناس في نقل الخصوصيات، أليس هؤلاء في حاجة إلى علاج وتوازن نفسي، ومراجعة ما معنى السفر والتمتع بقسط من الحرية؟
لقد كتب ابن بطوطة عن رحلته وهناك ادب الرحلة، بمعنى ان العجز في التعبير والكتابة استبدل بالصورة الرقمية،فلا بأس ولكن ضاع ذكاء الانتقاء و الفرز، وضاع ذوق اقتسام الجميل، فهو ولاشك جزء من السعادة، على اي حتى الجوانب السعيدة في السفر هناك عجز في التعبير عنها.