✍️عزيز أخواض
في لحظةٍ تفيض بدلالات رمزية وثقافية عميقة، قام وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، بزيارة ضريح محمد الخامس بالعاصمة المغربية الرباط، ضمن جدول زيارته الرسمية إلى المملكة. ورغم أن الزيارة تأتي في سياق سياسي وأمني بالأساس، فإنها لم تخلُ من أبعاد ثقافية وروحية أظهرت التقدير الفرنسي المتزايد للرصيد الحضاري المغربي، والذي يمثّل ضريح محمد الخامس أحد أبرز تجلياته.

ففي هذا المقام التاريخي الذي يحتضن ذكراهما الطاهرة، ذكرى الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، وقف الوزير الفرنسي متأملاً روعة المعمار المغربي الأصيل، خاصة ما يتعلّق بفنون الزخرفة التقليدية وفن الزليج الذي يزيّن جدران الضريح بألوانه الهندسية المتناغمة ودقته التي تعكس قرونًا من التراكم المعرفي والإبداع الحرفي.

وبدون الحاجة إلى كلمات، نقل روتايو إعجابه عبر فيديو قصير نشره على منصاته الرسمية، ظهر فيه وهو يستعرض بعينيه تفاصيل المكان، وكأنّه يغوص في أعماق حضارة ضاربة في التاريخ. وقد لاقى هذا الفيديو صدىً واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تفاعلت معه شرائح متعددة من الفرنسيين والمغاربة، معتبرين الزيارة بمثابة “جسر رمزي” بين حضارتين طالما كان بينهما تلاقٍ حضاري وفكري متين.

إن اختيار الوزير الفرنسي التوقف عند ضريح يُجسّد ذاكرة وطنية مغربية راسخة، يكشف عن وعيٍ سياسيّ بأهمية الرموز التاريخية في تمتين العلاقات الثنائية، خاصة في زمنٍ أصبحت فيه الدبلوماسية الثقافية تشكّل أحد أعمدة التواصل الدولي. كما أن إبداء الإعجاب بالعمارة المغربية لا يُعدّ فقط مجاملة دبلوماسية، بل هو اعتراف ضمني بريادة فنية مغربية حافظت على هويتها رغم التحولات العالمية.

الزيارة أيضًا تندرج في إطار دينامية التعاون المغربي الفرنسي، الذي يشمل مجالات استراتيجية أبرزها الأمن والهجرة ومكافحة الجريمة المنظمة، كما عكستها المحادثات التي جمعت روتايو بوزير الداخلية المغربي، عبد الوافي لفتيت. غير أن التوقّف عند الضريح يكشف عن بُعد إنساني وثقافي في الزيارة، يجعل من التراث المشترك نقطة التقاء وجداني وتاريخي بين الرباط وباريس.

وفي خضم هذه الرسائل المتعددة، يبرز سؤال جوهري: هل بات التراث المغربي، بما فيه من عمق وأصالة، عنصراً فاعلاً في إعادة تشكيل الصورة الذهنية للمغرب لدى النخبة السياسية الفرنسية؟ وماذا لو جُعل من هذا التراث الثقافي منصة لحوار حضاري دائم يقرّب لا يفرّق؟

لقد برهنت هذه الزيارة، في ظاهرها البسيط، على أن الثقافة – حين تُحترم وتُثمّن – تتحوّل إلى لغة دبلوماسية راقية، قادرة على تليين المواقف السياسية، وتعزيز جسور التواصل بين الشعوب.