✍️ مصطفى اغلاسن

في اليوم العالمي للصحافة، نقف وقفة تأمل أمام مهنة تتقاطع فيها الرسالة النبيلة مع صعوبة المسار، وتتمازج فيها التضحيات بالشغف، والتحديات بالأمل، الصحافة ليست مجرد وظيفة، بل هي عشق ومسؤولية، تحتاج إلى يقظة دائمة، وتكوين مستمر، وجرأة في البحث، وابتكار في الطرح.

الصحافة مجال يتطلب الإبداع والتميز، ولا يحتمل الكسل أو الاستسهال أو منطق “سلك راسك”، فالصحفي الناجح هو من يمتلك الحس المهني، والقدرة على التحليل العميق، وذكاء التقاط التفاصيل، وخط تحريري واضح ومستقل، ورصيد من العلاقات والمصادر الموثوقة.

لكن ومع كل هذا، بدأت الصحافة الوطنية تدق ناقوس الخطر، فقد انزلقت بعض المنابر إلى مستنقع المواضيع التافهة، والخوض في أعراض الناس وحياتهم الشخصية، بدل التركيز على قضايا الوطن الحقيقية، هذا الانزلاق ليس مجرد خلل في المحتوى، بل هو انعكاس لفقدان البوصلة التحريرية وضعف الرؤية الاستراتيجية.

اليوم نعيش لحظة مخاض عسير في صحافتنا الوطنية، هل ستكون الولادة طبيعية؟ أم قيصرية؟ أم أن النهاية ستكون أشبه بإجهاض مؤلم؟ للأسف المؤشرات الحالية لا تبشر بخير، وتدفعنا إلى القلق المشروع على مستقبل مهنة هي ضمير الأمة.

إن ما تحتاجه الصحافة الوطنية اليوم هو وقفة حقيقية مع الذات، وعملية جراحية مستعجلة لإزالة الأورام الخبيثة التي تنهش جسدها النحيل، فقد أصابها الهزال، واضطرب توازنها، وتشوشت رؤيتها، وباتت تحتاج إلى طاقة تجديد حقيقية تنبع من داخلها ومن محيطها.

لكن المسؤولية لا تقع على الصحافيين وحدهم، فالمشهد الإعلامي الوطني هو نتاج تفاعل جماعي، يشترك فيه القارئ، والمشاهد، والكاتب، والمصور، والاقتصادي، والسياسي، والمثقف، والمستشهر… الجميع، من موقعه، مسؤول عن تردي أو تطور هذا المشهد، من خلال مواقفه، وتعليقاته، ومشاركاته، وتفكيره.

بلادنا المملكة المغربية، شامخة بملكيتها وعرشها العلوي الشريف، وأبناؤها وبناتها في الداخل والخارج، مدعوون جميعا إلى الوقوف صفا واحدا من أجل المساهمة في التنمية والإصلاح والتغيير، قد نختلف في الرؤى، لكن لا يجب أن نختلف في حب الوطن والسعي إلى ازدهاره وتقدمه.

نحن في غنى عن الصراعات الإيديولوجية والمهاترات السياسية التي لا تزيد الوضع إلا تأزيما، بلادنا تحتاج إلى أقلامها الحرة، ومنابرها الجادة، ومؤسساتها الإعلامية المسؤولة، لأن وجهنا الحقيقي وصورتنا أمام العالم هي إعلامنا.

علينا ألا نحول إعلامنا الوطني إلى فرق متنازعة كما هو الحال في ملاعب كرة القدم، كل جهة تشجع فريقها وتحاول تسجيل أهداف ضد الآخر، الإعلام الوطني يجب أن يكون “فريقا موحدا”، مثل المنتخب الوطني لكرة القدم، يحظى بالدعم والتشجيع من الجميع، ليحقق الإنجازات ويواجه التحديات في ساحة الإعلام العالمي.

الإعلام هو صمام الأمان، والمدافع الأول والأخير عن الوطن، لذلك لا وقت للمعارك الجانبية، ولا معنى للخطابات العدوانية، ما نحتاجه فعلا هو وعي جماعي، وتفكير إيجابي، ومساهمات صادقة، كل من موقعه، بالكلمة، أو بالتعليق، أو بالموقف البناء.

فلنصنع معا إعلاما وطنيا حرا، رصينا، ومهنيا… إعلاما يشرفنا ويرفع من شأن وطننا بين الأمم.