✍️ عزيز أخواض

في خضم الاستعدادات للدورة الخامسة والعشرين من المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة، الذي يُنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، تم الكشف عن الملصق الرسمي لهذه التظاهرة السينمائية العريقة. إلا أن التصميم المعروض أثار استياءً واسعًا بين المهتمين بالشأن الثقافي والفني في مدينة خريبكة، الذين رأوا فيه تغييبًا واضحًا للهوية المغربية والمعالم الثقافية التي تُميّز المدينة.

غياب الهوية المغربية والخريبكية

يُعد المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة من أقدم التظاهرات السينمائية في إفريقيا، حيث تأسس سنة 1977. ومع ذلك، فإن الملصق الرسمي للدورة الخامسة والعشرين جاء خاليًا من أي رموز تعكس الهوية المغربية، سواء من حيث الألوان أو الزخارف التقليدية أو الإشارات المعمارية التي تُميّز المغرب. والأسوأ من ذلك، لم يتضمن أي إشارة إلى مدينة خريبكة، حاضنة المهرجان لأكثر من أربعة عقود، وكأنها غائبة تمامًا عن الذاكرة البصرية للحدث.

غياب الشفافية في الإعلان عن مالية المهرجان

إلى جانب الانتقاد الواسع للملصق، تتجدد التساؤلات في كل دورة حول غياب الوضوح في الكشف عن الأرقام والمبالغ التي تُضخ من قِبل مؤسسات وطنية ومحلية لدعم هذا الحدث. فهل يُعقل أن تمر خمسٌ وعشرون دورة دون أن يُكشف بوضوح وشفافية عن الجهات الممولة وحجم الدعم المالي؟ إن المهرجان، باعتباره واجهة ثقافية دولية، يستوجب قدرًا عاليًا من الشفافية في تدبير موارده المالية.

المثير للاستغراب أن الأرقام المالية المتعلقة بالدعم لا تظهر بشكل واضح في التقارير السنوية، ولا في البيانات الصحفية، مما يجعل التساؤل مشروعًا حول حجم الأموال التي تُضخ سنويًا، ومن هي الجهات الفاعلة التي تدعم هذا الحدث؟ هل هي مؤسسات حكومية فقط، أم أن هناك مساهمات من شركات خاصة؟ هذا الغموض يضع علامات استفهام كبيرة حول طرق صرف هذه الميزانيات الضخمة.

والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فحتى الدعم المخصص للصحافة المحلية والإعلاميين الذين يُفترض أن يساهموا في تغطية هذا الحدث لا يُعرف كيف تم صرفه، ولا توجد بيانات واضحة أو شفافة توضح توزيع هذه المخصصات. وهو ما يثير تساؤلات حول مدى استفادة الإعلام المحلي من هذا الدعم، وهل كانت هناك معايير واضحة لتوزيعه أم أنه خضع لمنطق العلاقات الشخصية والتفضيلات؟

حرمان الشباب العاطل عن العمل من الفرص الموسمية

لا يقتصر الغموض على الجانب المالي فقط، بل يمتد ليشمل توزيع فرص العمل الموسمية التي يتيحها المهرجان في كل دورة. عادةً ما تُمنح هذه الفرص للموظفين الرسميين أو لمعارف معينة، في حين تُهمَّش فئة كبيرة من الشباب العاطل عن العمل، بالرغم من أن هذه المناصب المؤقتة تُمول من المال العام، الذي من المفترض أن يُخصص لمن هم في حاجة فعلية لهذه الفرص.

إن إعادة النظر في هذا التوزيع غير العادل بات أمرًا ضروريًا لتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص، وإعادة الحق لأصحابه. إن المال العام ليس امتيازًا لفئة دون أخرى، بل هو حق لكل مواطن، خاصة للشباب الذين يعانون من البطالة في مدينة خريبكة. إن هذا الحدث الثقافي يمكن أن يشكل فرصة حقيقية لتأهيل الشباب وتمكينهم اقتصاديًا، بدلًا من تكريس نفس الوجوه في كل دورة.

دور السلطات المحلية في تعزيز الشفافية والإنصاف

إن الدور الفعّال للسلطات المحلية في مراقبة عملية صرف ميزانية المهرجان وضمان توجيه الدعم إلى مستحقيه الفعليين، يشكّل حجر الزاوية في تحقيق الشفافية والمصداقية. كما ينبغي أن تُفعّل آليات التتبع والمحاسبة لضمان أن فرص العمل الموسمية تذهب إلى الشباب العاطل عن العمل الذين يستحقونها، لا إلى الأسماء المعتادة كل سنة. إن تعزيز هذه المراقبة سيساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية وترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص.

الأمل في دورة مختلفة

على الرغم من هذه الانتقادات، يبقى الأمل قائمًا في أن تشهد الدورة الخامسة والعشرون نقلة نوعية ترفع من مستوى المهرجان، وتحترم هوية مدينة خريبكة، وتكرّس الشفافية في تدبير شؤونه، مع توزيع عادل لفرص العمل الموسمية بما يخدم الشباب المحلي ويساهم في الحد من البطالة. كما نأمل أن تكون هذه الدورة فرصة لتصحيح الأخطاء السابقة، وأن يكون الحضور هذه المرة ليس فقط للاحتفال، بل لمساءلة ومحاسبة كل تقصير يمس بمصداقية هذا الحدث العريق.

إن مدينة خريبكة، بتاريخها العريق وإرثها الثقافي، تستحق مهرجانًا يعكس هويتها، ويُعبّر عن أصالة ساكنتها، بعيدًا عن الصور النمطية والتصاميم الباهتة التي تُغيب روح المكان، مع منح فرص حقيقية للشباب المحلي لإثبات كفاءتهم والمساهمة في إنجاح هذا الحدث الثقافي المميز.

وللحديث بقية…

إن هذه التساؤلات ستظل مطروحة، والمطالبات بمزيد من الشفافية والإنصاف ستتواصل. فلا يمكن السكوت أمام تغييب الهوية وتهميش الشباب، ولن نتوقف عند حدود النقد، بل سنواصل المتابعة لكشف الحقائق وتعزيز المصلحة العامة. إن صمتنا يعني القبول، ونحن نرفض أن نكون شهودًا على تغييب الحقيقة. سنكون صوت الشباب وأمل الحق ، وسنظل نطالب بما هو عادل ومستحق.””