✍️ مولاي عزيز أخواض

بعد نشرنا لمقال أولي يُبرز الأبعاد الاستراتيجية والتنموية للمعرض الجهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني بخريبكة، نعود اليوم من زاوية أخرى لتسليط الضوء على آخر اللمسات الميدانية والاستعدادات التنظيمية الدقيقة، وأجواء الاستقبال الأولي لمنتوجات العارضين، في إطار زيارة غير مبرمجة قادتنا صدفةً إلى عين المكان، عشية الافتتاح الرسمي.

لقد بدت ملامح التنظيم، منذ الوهلة الأولى، على قدر كبير من الاحترافية والاتساق؛ حيث تعكف اللجان المشرفة – في تناغم وانضباط – على استقبال التعاونيات، وتوجيه العارضين نحو أجنحتهم، والتثبت من جودة العرض، وهو ما أعطى انطباعًا أوليًا بأن المعرض ماضٍ في اتجاه دورة استثنائية، تليق بمكانة الجهة وتطلعات ساكنتها.

كما أن تدفق المنتوجات القادمة من مختلف أقاليم الجهة، وتنوعها من حيث الشكل والمضمون (حرف، خدمات، منتوجات محلية، ابتكارات نسوية)، يعكس غنى الهوية الاقتصادية المجالية، ويؤشر على نضج التجربة التعاونية، وعلى عمق التحول الذي يعرفه النسيج الاجتماعي المحلي في اتجاه الفعل الإنتاجي المنظم والمستدام.

ولم تغفل الجهة المنظمة أدق التفاصيل: *فقد تم تجهيز مرآب خاص للسيارات بمواصفات تضمن الانسيابية والسلامة والولوج السهل، وهو أمر نادر في مثل هذه التظاهرات الجهوية، ويترجم بوضوح الرؤية الشمولية التي تحكم فلسفة التنظيم.

وما أثار الانتباه أيضًا خلال هذه الزيارة المفاجئة، هو جمالية التصميم الداخلي للمعرض، وحرص اللجنة التنظيمية على احترام الجمالية البصرية والمسارات الوظيفية، بحيث يتنقل الزائر بين الأروقة دون عناء، ويُتاح له الاستمتاع بتجربة ثقافية وتذوقية متكاملة، دون أن تفقد الفعالية طابعها العملي أو المهني.

أما قاعة الندوات، فقد بدت مُهيأة بأعلى المعايير، ومزودة بأحدث تجهيزات الصوت والضوء والوسائط التفاعلية، في أفق احتضان سلسلة من الورشات العلمية والنقاشات التكوينية التي ستحفّز العارضين على تطوير مهاراتهم وتقوية مقارباتهم التسويقية والإنتاجية.

وبالموازاة مع ذلك، فإن تجهيز فضاءات الأطفال، وتنظيم القاعة المخصصة للسهرات الثقافية والفنية، وتهيئة مطعم نموذجي يستجيب لمعايير الجودة والاستقبال، يجعل من المعرض منصة متكاملة تنموية-اجتماعية-ثقافية، تؤسس لتقليد جديد في تنظيم المعارض الجهوية ذات الطابع التضامني.

إن الدورة الرابعة من المعرض الجهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، لا تُراهن فقط على عرض المنتوجات وترويجها، بل تقدم رسالة حضارية وتنموية، مفادها أن التنظيم الجيد هو مرآة للنضج المؤسساتي، وأن العدالة المجالية تبدأ من احترام التفاصيل، وتكريم الفاعل المحلي، وتثمين الرأسمال اللامادي للجهات.

ومن هنا، فإن ما تشهده خريبكة عشية هذا الحدث، ليس مجرد تجهيز لفعالية موسمية، بل صياغة دقيقة لتجربة تنموية مرجعية، يمكن البناء عليها في صياغة سياسات عمومية منصفة، تُمكِّن التعاونيات من شروط النجاح، وتُعيد للمجال القروي دوره المركزي في معادلة الإنتاج والتوازن الوطني.