✍️ مولاي عزيز أخواض
في مشهد يتجاوز الترفيه إلى بناء الرمزية الثقافية والتراكم المؤسساتي، افتتحت مدينة خريبكة مساء أمس السبت 21 يونيو 2025 فعاليات الدورة الخامسة والعشرين لمهرجان السينما الإفريقية، الحدث الذي حافظ على خصوصيته طيلة ما يقارب نصف قرن، مؤكداً مكانته كمحفل فني وديبلوماسي يجمع مبدعي القارة السمراء ويمنح السينما الإفريقية منبرًا مستحقًا في زمن متسارع التحولات.
تنظيم محكم بروح تشاركية
الحفل الافتتاحي، الذي احتضنه المركب الثقافي محمد السادس، تميّز بتنظيم دقيق وإيقاع متوازن، أشرفت عليه مؤسسة المهرجان الدولي للسينما الإفريقية، بتنسيق فعّال مع باشوية مدينة خريبكة التي لعبت دورًا محوريًا في ضمان الانسجام بين مختلف الفاعلين والمؤسسات المتدخلة، مستحضرة روح المسؤولية والتعبئة المحلية.
وساهم في إنجاح هذه الدورة دعم رسمي ومجتمعي واسع، شاركت فيه مؤسسات وطنية وفاعلون جهويون، من أبرزهم المكتب الشريف للفوسفاط، الخطوط الملكية المغربية، المركز السينمائي المغربي، وزارة الشباب والثقافة والتواصل، المديرية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، مجلس جهة بني ملال خنيفرة، المجلس الجماعي لمدينة خريبكة، والمجلس الإقليمي لخريبكة.
انطلاقة بطابع فني يلامس الروح
افتُتحت فعاليات الحفل بعرض تراثي مشترك بين فرقة “بالي إفريقيا” التي أعادت إلى المنصة ألوان الإيقاع الإفريقي المتجذر، في انسجام لافت مع هندسة الركح، التي عكست التقاء العمق المغربي الإفريقي بصريًا وثقافيًا، بشكل جعل من المنصة مشهداً فنياً متكاملاً.
بعد ذلك، تولت الإعلامية سناء فاضل تقديم فقرات الحفل، لتفسح المجال أمام كلمة رئيس جماعة خريبكة محمد زكراني، الذي أبرز في كلمته أبعاد العلاقات المغربية الإفريقية، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، مبرزاً أن المهرجان لا يُجسّد فقط تراكمًا فنّيًا، بل يُعبّر عن سياسة ثقافية قوامها الانتماء، وتبادل التجارب، وتكريس المغرب كبلد عبور وتفاعل حضاري متواصل.
وأكد زكراني أن خريبكة، بتاريخها الصناعي والثقافي، تضع اليوم تجربتها في قلب مشروع ثقافي قاري، يجعل من السينما أداة للتنمية المحلية، والحوار بين الشعوب، والانفتاح على الفعل الفني الجاد.
كلمة المؤسسة: السينما التزام ومسؤولية
من جهته، عبّر عز الدين كريران، مدير مؤسسة المهرجان، عن اعتزازه بوصول هذا المشروع الثقافي إلى ربع قرن من العطاء، رغم التحديات المالية واللوجيستيكية، مبرزًا أن الذكاء الجماعي وروح الإصرار المهني مكّنا الفريق من الحفاظ على هوية المهرجان، وتوسيعه ليشمل الندوات الفكرية، الورشات التكوينية، والحوارات السينمائية.
وشكر كريران كافة الداعمين والمؤطرين والتقنيين، منوهاً بأن هذه الدورة تتميز بفتح النقاش حول أدوات الإبداع الجديدة، بما فيها الذكاء الاصطناعي وتداخلاته مع الفن السابع، بالإضافة إلى تقديم تجارب إنتاجية نوعية من القارة.
السينما الموريتانية.. ذاكرة التكريم والتجديد
تميزت هذه الدورة بتكريم السينما الموريتانية كضيف شرف، حيث تم عرض شريط وثائقي يؤرخ لمسارها، تلاه تكريم المخرج العالمي عبد الرحمان سيساكو، بصفته سفيرًا متجولاً للثقافة الموريتانية، والذي تسلم درع التكريم من يد عامل الإقليم ورئيس الجماعة، في لحظة امتنان لمشروع سينمائي ينمو رغم محدودية الإمكانيات، ويراهن على المبادرات الفردية والمجتمع المدني.
وأشاد السفير أحمد باهية، في كلمته، بمستوى التنظيم، وبالتطور الذي شهدته العلاقات المغربية-الموريتانية على المستويات الثقافية والدبلوماسية، مؤكداً أن الفن والسينما من أقوى أدوات بناء الثقة والتقارب بين الشعوب.
السينما السنغالية.. وفاء لمسار منصور صورا
كما تم خلال الحفل تكريم المخرج والإعلامي السنغالي منصور صورا، تقديراً لمساره الطويل في التأسيس لصورة سينمائية سنغالية منفتحة على الرمزية، ذات عمق إنساني مؤثر. وقد تسلّم صورا درع التكريم بنفسه، في لحظة أثرت الحاضرين، خاصة بعد عرض شريط يستعرض تجربته، واعترافه بتأثر السينما السنغالية بالتجربة الهندية والانفتاح على التعبيرات الشعبية.
الإعلان عن الأفلام والمسابقات
شهد الحفل تقديم لائحة الأفلام المشاركة في المسابقات الرسمية، التي بلغ عددها 15 فيلمًا بين الطويل والقصير، كما تم التعريف بأعضاء لجان التحكيم، التي تضم نقاداً ومخرجين وأساتذة جامعيين من مختلف الدول الإفريقية، إلى جانب أعضاء يمثلون الفيدرالية الإفريقية لمهرجانات السينما والسمعي البصري.
الختام.. من عبيدات الرمى إلى بالي إفريقيا
اختُتمت فقرات الحفل بعرض موسيقي مشترك جمع بين فرقة عبيدات الرمى المغربية وفرقة بالي إفريقيا، في مشهد سمعي بصري جمع بين الروح الشعبية والهوية الإفريقية، ليكون ختام الحفل احتفاءً مزدوجًا: بالذاكرة والانتماء، بالفن والإنسان.
خاتمة
بهذه الانطلاقة المتميزة، تؤكد خريبكة مرة أخرى أنها ليست فقط مدينة للفوسفاط، بل مدينة تتنفس الثقافة، وتكتب من خلال مهرجانها السينمائي فصلاً متجدداً من فصول الاندماج القاري والتفاعل الحضاري، حيث تتحول الشاشة إلى مرآة تعكس نبض إفريقيا، وآمالها، وأسئلتها المفتوحة.
تعليقات الزوار ( 0 )