الإثنين 28 يوليو 2025 11:59

حب كرة القدم وغيرها من أنواع الرياضات ليس عيبا ، لكن الإستسلام لها والتخدر بها ، والإنفصال عن الواقع المعاش حبا فيها يبدو شيئا من الغباء والبلادة .
رجال السياسة هم الأخرون يحبون كرة القدم ، لكن إن لم نقل جلهم ، فأغلبهم لا يشاهدونها ، لكن يحبون فيها قدراتها ، لأنهم يعرفون مدى التأثير الكبير والقدرات التخديرية التي لاتوجد في أخطر أنواع المخدرات ، هم يدركون أن كرة القدم لها القدرة على فصل الإنسان عن واقعه المعاش ، وتغرس فيه مشاعر الإنتماء لجماعة تتجسد في فريقه المفضل ، كان منتخبا وطنيا ، أو ناديا أجنبيا ، والأخطر في هذا التخدير ومدى فاعليته ، هو أن الفوز أو الخسارة سيان عند الساسة ، بمعنى أن الفوز تعم فيه مشاعر الرضا على السلطات السياسية التي تنسب إليها إنتصار فريقهم المفضل ، وإن خسر ، فالشعور بالإحباط سيبقي هذا المواطن تحت تأثير التخدير وغير قادر على الحركة و الكلام ، وأي تصرف أو ردة فعل تنحصر داخل مدرجات الملعب فقط ، حيث يصبح الشعور بالفوز أو الخسارة له علاقة بالوطنية ، علما أنه يبقى مجرد متفرج وهو الخاسر كلا الحالتين .
وحتى يجعلوا رجال السياسة هذا النوع من المخدر وسيلة لتجييش المشاعر الوطنية تسمح بخروج الٱلاف في الساحات العامة في حالة الفوز ، والشئ المثير للعجب ، خصوصا في الدول المستبدة التي تتوجس من تجمع أربع أشخاص في فضاء عام للتظاهر ضد قضية ما ، قينتقل معيار الوطنية من الخروج للفضاء العام بحثا عن قضية مجتمعية تهم الوطن ككل ، إلى ملء الشوارع بمشاغبي الملاعب والمخدرين بجرعات زائدة من كرة القدم ، ممن يقدمون أرواحهم فداءا لولائهم المفرط لهذه اللعبة بسكتات قلبية .
تعتبر كرة القدم أخطر أنواع المخدرات الموجودة في عالمنا المعاصر ، كونها لاتصنف كمخدر وبالتالي لا يتم معاقبة من يتعاطاها ، فهي تدخل كل البيوت وكل العقول ، حقنة تحقن في أجسادنا وعقولنا لتنقلنا من حالة إلى أخرى ، وعند إنتهاء مفعولها نعود لنعايش مٱسينا والتي تكون أكثر تأزما تحت تأثير حقن أنظمتنا السياسية ومؤسساتنا الإعلامية .
هناك جهود منهجية لاتظهر للعيان تعمل على تكوين جيل غير مسيس ، لايهتم بشكل النظام السياسي وما يجري في دواليب حكوماته ، جيل لايعرف شيئا عن السياسة ، ولايريد أن يعرف ، لأنه يقف حائرا ومعجبا بكبار اللاعبين العالميين ، جيل لايعرف الراية الوطنية والنشيد الوطني إلا في مباريات كرة القدم ولايتظاهر إلا تعبيرا عن فوز فريقه ولايغضب إلا عندما يخسر ! .

✍️ المصطفى المرجاني

تحرير: ادارة النشر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

النشرة الإخبارية

اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدتنا، لتصلك آخر الأخبار يوميا

حمل تطبيق نشرة

من نحن؟

جريدة رقمية مستقلة، تهدف إلى تقديم محتوى خبري وتحليلي موثوق، يعكس الواقع بموضوعية ويواكب تطورات المجتمع. نلتزم بالشفافية والمهنية في نقل الأحداث، ونسعى لأن نكون منصة إعلامية قريبة من القارئ، تعبّر عن صوته وتلبي اهتماماته.

error: المحتوى محمي !!