✍️مولاي عزيز أخواض
تواصل مدينة خريبكة احتضان فعاليات الدورة الخامسة والعشرين للمهرجان الدولي للسينما الإفريقية، الذي بات محطة ثقافية وفنية قارّية تتجاوز العرض السينمائي إلى آفاق أرحب من التكوين، التربية، والتبادل الحضاري. هذه الدورة، الممتدة من 21 إلى 28 يونيو 2025، تشهد برمجة غنية ومتنوعة، تؤكد النضج التنظيمي والتربوي الذي بلغه المهرجان، في ظل إشراف إداري محكم ورؤية استراتيجية متجددة.من أبرز محاور هذه الدورة، تنظيم سبع ورشات تكوينية متخصصة لفائدة الشباب والمهتمين بالمجال السينمائي، شملت مجالات كتابة السيناريو، التصوير، المونتاج، الإخراج، الصوت، الفيلم التربوي، والثقافة السينمائية. احتضنت هذه الورشات كل من مركز سكيلز، مؤسسة الإمام مالك، والمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية، وأطرها خبراء ومخرجون من المغرب وإفريقيا، نذكر منهم: عبد القادر المنصور، محمد حبيب الله، محمد خلال، رؤوف الصباحي، سناء فاضل، سعيد النظام، وجويل شيدر ماماكا.وقد شكلت هذه الورشات فرصة مهمة للمشاركين لاكتساب مهارات عملية والتعرف على المهن السينمائية عن قرب، في أفق بناء جيل جديد من الكفاءات المحلية والإفريقية. وتميزت هذه الأنشطة بتفاعل كبير وجودة عالية في التأطير، مما يعكس احترافية التنظيم وإرادة التحول نحو نموذج ثقافي تكويني متكامل.في السياق نفسه، أولى المهرجان اهتمامًا خاصًا بالطفولة من خلال برمجة عروض سينمائية تربوية احتضنتها الخزانة الوسائطية للمجمع الشريف للفوسفاط، حيث تم عرض أفلام مثل “Lilya & Rayane”، “Tremblement”، “Mon papi à moi”، وغيرها، بحضور إعلامي وتنشيط تفاعلي من طرف هشام سكومة. وقد تميزت هذه اللقاءات بجو من الفرح التربوي الذي يربط السينما بقيم المواطنة والإبداع المبكر.على مستوى الفضاءات، توزعت أنشطة المهرجان بين عدد من المراكز الحيوية بالمدينة، مثل غرفة التجارة والصناعة والخدمات التي استقبلت مناقشات الأفلام الطويلة والقصيرة، والندوات الفكرية، أبرزها الندوة الرئيسية حول “السينما والذكاء الاصطناعي” التي عرفت حضور باحثين من المغرب وخارجه. واحتضنت المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية خريبكة عددًا من الجلسات العلمية، في حين خُصصت قاعة الحفلات التابعة للمجمع الشريف للفوسفاط والمركب الثقافي محمد السادس لعروض الأفلام الرسمية والبانورامية.امتد الحضور السينمائي أيضًا إلى خارج خريبكة، حيث نظمت إدارة المهرجان عروضًا جهوية في كل من الفقيه بن صالح وبوجنيبة، شملت أفلامًا مغربية وإفريقية بحضور عدد من المخرجين والنقاد. كما قام الوفد الموريتاني المشارك بزيارة ميدانية لمدينة أبي الجعد شملت الزاوية الشرقاوية ودار الصانعة، بالإضافة إلى زيارة ميدانية لعدد من الضيوف إلى موقعي سيدي شنان وبني عمير، بهدف إبراز المؤهلات الثقافية والتراثية للمنطقة.وعلى مستوى العروض السينمائية، عرفت الدورة تقديم باقة مختارة من الأعمال، منها “Umugani” من رواندا، “The Medallion” من إثيوبيا، “Portrait d’une femme sans visage” من جمهورية إفريقيا الوسطى، “وشم الريح” من المغرب، و”L’Interrogatoire” من توغو. وقد تميزت هذه الأعمال بعمق المواضيع المطروحة وجمالية التعبير السينمائي، وسط نقاشات نقدية ثرية تعكس التفاعل الحي بين الجمهور وصنّاع الفيلم.جدير بالذكر أن تنظيم هذه الدورة جاء تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، بدعم رئيسي من المجمع الشريف للفوسفاط، الذي واصل التزامه في إنجاح هذه التظاهرة عبر توفير الدعم اللوجستيكي والمادي، وتخصيص الفضاءات الملائمة، إيمانًا منه بأهمية الثقافة والفن في تنمية الإنسان والمجتمع.لقد استطاعت إدارة المهرجان، من خلال هذه الدورة، أن تتحول إلى مؤسسة تعليمية وتكوينية حقيقية، تقدم محتوى ذا بعد تربوي وفني رصين، وتسهم في بناء الوعي السينمائي لدى الأجيال الجديدة. وهو ما يكرّس مكانة المهرجان كجسر ثقافي متين بين المغرب وباقي دول القارة، وكفضاء يُزاوج بين التكوين والإبداع، وبين المتعة البصرية والرسالة الثقافية العميقة.
تعليقات الزوار ( 0 )