رغم الشعارات الطموحة التي تُرفع عند تنظيم المعارض الجهوية، خصوصًا في قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، إلا أن الواقع يعكس صورة مختلفة تمامًا، حيث تتحول هذه الفعاليات في كثير من الأحيان إلى مجرد مناسبات بروتوكولية تُنفق عليها ميزانيات ضخمة دون تحقيق أثر اقتصادي ملموس. بدل أن تكون هذه المعارض رافعة للتنمية، تصبح فضاءً لاستهلاك المال العام دون جدوى حقيقية، مما يطرح تساؤلات حول مدى فعاليتها وجدواها على المدى الطويل.
تُخصص ميزانيات كبيرة لتنظيم هذه التظاهرات، تشمل كراء الفضاءات والتجهيزات، حيث يتم إقامتها غالبًا في أماكن مفتوحة، مما يستلزم استئجار الخيام والمعدات بأسعار مرتفعة، رغم توفر العديد من المدن على قاعات ومرافق مناسبة يمكن استغلالها بتكاليف أقل. في المقابل، تُنفق أموال طائلة على إقامة وإطعام المسؤولين والوفود الرسمية في فنادق مصنفة، بينما يُترك الفاعلون الحقيقيون، من تجار وأعضاء تعاونيات وصناع تقليديين، دون دعم حقيقي يساعدهم على تطوير أنشطتهم أو تحسين أوضاعهم.
على مستوى الترويج، تُخصص ميزانيات مهمة للدعاية والإعلانات، لكنها غالبًا ما تُنفذ دون دراسة دقيقة لمدى نجاعتها في استقطاب المشترين أو دعم التعاونيات. هذه الجهود، التي يُفترض أن تعود بالنفع على العارضين، تتحول إلى مجرد إجراءات شكلية لا تترجم إلى نتائج فعلية. يشتكي العديد من المشاركين من ضعف الإقبال وقلة المبيعات، مما يجعل مشاركتهم عبئًا ماليًا بدل أن تكون فرصة لتنمية مشاريعهم. بل إن بعض العارضين يضطرون إلى تحمل تكاليف إضافية، مثل النقل والتجهيزات، دون أن تعوضهم العائدات، مما يزيد من إحباطهم ويحد من رغبتهم في المشاركة مستقبلاً.
مع انتهاء المعرض، لا توجد آليات واضحة لمتابعة العارضين أو تقديم دعم مستدام لهم، حيث يقتصر الاهتمام على فترة الحدث فقط، دون استراتيجية لضمان استمرارية الفائدة على المدى البعيد. بدل أن تكون هذه المعارض رافدًا حقيقيًا لتنمية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، تظل مجرد مناسبات موسمية لا تترك أثرًا طويل الأمد، خصوصًا في ظل غياب تخطيط استراتيجي واضح. يتم تنظيم هذه التظاهرات دون تحديد أهداف دقيقة، مما يجعلها مجرد مناسبات لالتقاط الصور وعقد الاجتماعات دون أن تسفر عن أي تغيير حقيقي. كما أن غياب دراسات تقييمية للدورات السابقة يؤدي إلى تكرار نفس الأخطاء، ما يقلل من فعاليتها ويحد من فرص تطويرها.
يبقى غياب الشفافية والرقابة من أبرز الإشكالات المطروحة، حيث نادرًا ما تُنشر تقارير تفصيلية توضح أوجه صرف الميزانيات وكيفية توزيعها. كما تثار تساؤلات حول نزاهة تدبير الصفقات المرتبطة بتنظيم المعارض، حيث يتحدث البعض عن شبهات محاباة واحتكار في منح هذه العقود، مما يفتح الباب أمام مظاهر الفساد وسوء التدبير.
إذا استمر تنظيم المعارض الجهوية بنفس النهج الحالي، فستظل مجرد مناسبات تُنفق فيها الأموال دون أي أثر اقتصادي ملموس. ولتغيير هذا الواقع، من الضروري إعادة النظر في طرق تنظيم هذه الفعاليات، عبر إشراك المهنيين الحقيقيين، واعتماد مقاربة تعتمد على تحقيق النتائج، مع فرض رقابة صارمة على أوجه الإنفاق. بدون هذه الإصلاحات الجوهرية، سيظل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني مجرد شعار يُخفي وراءه واقعًا مليئًا بالهدر والتسيب.
تعليقات الزوار ( 0 )