✍️عزيز أخواض
في خريبكة، عاصمة الفوسفاط العالمي، ورافعة الأمن الغذائي الدولي، تتقاطع الثروات الباطنية الهائلة مع مؤشرات تنموية باهتة، تُبرز بوضوح مفارقة تُحرج من لا يزال يعتقد أن الزمن كفيل بتغيير واقعٍ لا يتغير إلا بالإرادة والجرأة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
ربع قرن من التربع المجيد لجلالة الملك محمد السادس نصره الله على عرش المملكة، حمل معه دينامية إصلاحية وتحولات كبرى شملت مختلف المجالات: من البنيات التحتية إلى الأوراش الاجتماعية، من تنزيل الجهوية المتقدمة إلى تبني نموذج تنموي جديد، ومن إصلاح العدالة إلى توسيع منظومة الحماية الاجتماعية. غير أن هذه الرؤية المتقدمة كثيراً ما تصطدم بجمود بعض المسؤولين، وتُفرغ المشاريع من مضمونها، نتيجة ضعف في النجاعة التدبيرية والتأويل التنموي للتوجيهات الملكية السامية.
من بين المشاريع الملكية التي تُجسد هذا التعثر، مشروع “المنجم الأخضر” الذي أعطى جلالة الملك انطلاقته بخريبكة سنة 2007. ومع حلول سنة 2025، ما زالت أوراشه تتحرك بخطى متثاقلة، مُتأخرة عن الزمن الملكي، وموغلة في الانتظار. إنه تأخير يطرح أكثر من علامة استفهام حول مسؤولية الجهات المُدبرة، ومدى جديتها في مواكبة الرؤية الملكية الرامية إلى تحقيق العدالة المجالية والتنمية المستدامة.
الأدهى من ذلك أن المكتب الشريف للفوسفاط، هذه المؤسسة الاقتصادية الوطنية الرائدة، لا يبدو – للأسف – أنها تواكب بالفعالية المطلوبة توجهات الدولة المغربية الجديدة، لا في مجال إدماج الكفاءات المحلية، ولا في الانخراط الحقيقي في البرامج الاجتماعية، ولا في تحقيق العدالة المجالية بمدن الإنتاج. كيف يمكن فهم هذا الانفصام، وهذه الهوة بين خطاب الدولة وواقع التطبيق على الأرض؟
فرص الشغل في خريبكة لا تزال حكراً على المحظوظين، تُوزع وفق منطق الزبونية والمحاباة، في ظل غياب معايير الشفافية وتكافؤ الفرص. والأخطر من ذلك أن هذه الفرص تُوزع في الغالب على النقابيين المحسوبين على تيارات سياسية معينة، وعلى أصحاب المصالح الذين يُحكمون قبضتهم على مواقع النفوذ داخل الفوسفاط، من نوادٍ ومراكز ومؤسسات محلية، مما يعمّق الفجوة ويُسهم في إعادة إنتاج نفس النخب والممارسات.
إن الصبر الشعبي له حدود. ومظاهر الإقصاء والتفاوت التنموي باتت تُستفز حتى صبر الحكماء. فإذا كان الأمن الاستثماري لا يكتمل دون استقرار اجتماعي، فهل تعي إدارة الفوسفاط أن ربط المؤسسة بمحيطها الترابي لم يعد ترفاً، بل ضرورة وطنية، وشرطاً لاستمرار الشرعية المجتمعية؟
لقد آن الأوان لفتح نقاش وطني مسؤول، حول مدى احترام المؤسسات العمومية والمقاولات الوطنية الكبرى لروح التوجيهات الملكية. وآن الأوان لتجاوز مرحلة البلاغات الرسمية والاحتفالات البروتوكولية التي لا تُشبع جائعاً، ولا تخلق فرصة شغلٍ واحدة. نحن نحتاج إلى إرادة حقيقية تُعيد للمواطن الثقة في مؤسسات بلاده، وتُثبت أن لا أحد فوق روح الدستور، ولا مؤسسة أكبر من المصلحة العامة.
إن خريبكة اليوم لا تطلب امتيازات، بل تطلب الإنصاف. لا تحتاج صدقات، بل تحتاج شراكة عادلة. لا تسعى لامتلاك الثروة، بل تطالب بنصيبها المشروع من كرامة العيش، وحقها في التنمية المستدامة، على أرض تُصدر الأمن الغذائي للعالم، بينما تُغيب عنه أبسط مقومات الكرامة الإنسانية.
تعليقات الزوار ( 0 )