عبد الكريم غيلان : كاتب رأي

 

موسيقى الروايس أو فن تريوسة هي نوع موسيقي امازيغي منتشر في مناطق سهل سوس في المغرب.
يعود تاريخ فن الروايس إلى بداية الشعر الأمازيغي الذي ينتشر في جنوب وداخل المغرب. فقد انتقل أدب تشلحيت من شعر الارتجال والتواتر الشفاهي إلى مرحلة الموسيقى والألحان.
وبدأ تسجيل أشرطة موسيقى الروايس خلال ثلاثنيات القرن الماضي حيث عرف انتشارا كبيرا في مناطق المغرب.
توجد أسماء مختلفة لهذا النوع الموسيقي مثل فن الروايس أو تريوسة أو أمارك ن روايس. كما يشير مصطلح الرايس إلى معنى القائد أي قائد الفريق أو المجموعة الموسيقية. يشير الاسم أيضا إلى المغني الشاعر والذي ينظم كلامه ويغنيه عادة بارتجال.
اعتمد الروايس على العديد من الآلات الموسيقية والتي لا تزال تستخدم إلى اليوم مثل الرباب وهي الآلة الرئيسية ولوتار و الناي بالإضافة إلى (تالونت ) الدف.
أما اللباس الرسمي فيتكون من الجلباب والبلغة والخنجر والعمامة. ويميل الروايس إلى استعمال الألوان. عادة ما تتكون المجموعة من سبعة إلى تسعة أفراد تبدأ بمدخل موسيقي ‘أستارا’ ثم الغناء وفي الختام تمسوست أو نوع من الإيقاع السريع للختم.
كانت الحركة الثقافية الامازيغية مجرد جمعيات ثقافية في مدن الرباط و الدار البيضاء و اكادير و فاس و منطقة الريف الخ لكن تاثيرها على مجتمعنا كان ضعيفا في اواخر ستينات القرن الماضي فتم الاعتماد على الاغنية الامازيغية الحديثة من خلال المجموعات العصرية مثل مجموعة اوسمان و مجموعة ازنزارن الخ لايصال الوعي الثقافي الامازيغي الى فئات الشباب في الجامعات .
و تم الاعتماد على الاغنية الامازيغية الاصيلة عبر فن ترويسا و يعتبر المرحوم الحاج محمد البنسير الشاعر العبقري اول رايس يدافع عن الحقوق الثقافية و اللغوية لامازيغي المغرب بصريح العبارة منذ اواخر السبعينات الى وفاته سنة 1989 عبر قصائد قوية لن تنسى في الذاكرة الجماعية .
في بعض الأحيان تتخذ أبعادا رمزية، وتتخفى في شكل رموز مبهمة لا يحل طلاسمها اللغوية والبلاغية إلا المتضلعون في فن القصيدة الأمازيغية ذات التقليد الشفوي، وبالاخص المتذوقون الاستثنائيون لشعر انضامن الكبار والروايس المتميزين أمثاله،
لكن مدرسته انجبت اسماء من العيار الثقيل لحمل مشعل القضية الامازيغية مثل الفنانة فاطمة تاباعمرانت ….
ولد محمد بن لحسن البنسير،اسمه الحقيقي محمد أجحود، المعروف أيضا بالدمسيري سنة 1940 في قرية تامسولت إحدى قرى منطقة إلبنسيرن (دمسيرة) قرب ايمنتانوت حيث نشأ وترعرع. وكغيره من صبية القرية كان والده يرسله إلى الكتاب للتعلم ولحفظ القرآن. أخد قسطا لابأس به في العلم الشرعي وحفظ القرآن الكريم.
واستطاع أن يحفظ إلى قوله تعالى: “ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن”. وقد أشار إلى ذلك في بعض أغانيه .
ترعرع وسط الجبال و عاين الجفاف و الحياة القاسية
بدا مسيرته الغنائية و ابدع في مجال الكلمة و كانت أولى اسطواناته سنة 1965.
سنة 1969 عرفت حياته تحولا كبيرا جراء تعرضه لحادثة سير مفجعة بين مدينة أكادير و مراكش. كانت نتيجتها إصابته بكسور في عموده الفقري و أجريت له عملية جراحية و اصبح مقعدا غير قادر على الحركة
لم يستسلم بل انتقل إلى وضع المحتج، الذي يعبر عن احتجاجه بأسلوب واضح ينهل من ثقافة أصيلة، ممتنعة على الترويض، تشبه إلى حد ما الطبيعة الجبلية القاسية والنائية للمناطق الأمازيغية،
ذلك التهميش الصامت والقاتل، والذي يعيشه معظم الامازيغ في الجبال والهوامش، هو الذي فجر في نفسيته ذلك الحزن الأليم والكئيب عبر عنه في بعض أغانيه على شكل يعتبر من أشد أنواع التحقير والازدراء الذي مورس ويمارس في حق ثقافته الأمازيغية،
حيث قال في احد أغانيه
( مراس نموت نكنين مارا نسويد زود أموش إيغ إتوافا غو مدوز ) و بلسان عربي
بكونه لو مات فلن يحتفي به أحد، كأن قطا من القطط التي تترعرع في الأزقة توفي في مزبلة
وهكذا انخرط بشكل واضح وبدون تردد في سنوات الستينيات من القرن الماضي في تسجيل الأغاني ذات المنحى السياسي والاجتماعي بنبرة الاحتجاج والتمرد، بدون أن يخلف ذلك بالنسبة له أي عقدة أو خوف، مرجعا سبب ذلك إلى غياب العدالة الاجتماعية، والمساواة، والتضامن بين أبناء الوطن الواحد، مهما اختلفت أصولهم اللغوية والثقافية، بحيث قد استأثرت فئة قليلة بالنفوذ والسلطة والثروة وتركت بقية الشعب في براثن الفقر والحاجة والتهميش.
وتعد أحد روائعه قصيدة” اكرن ” اي الدقيق التي غناها عن الأحداث التي إندلعت بالدار البيضاء سنة 1981،أثر الزيادات الصاروخية في المواد الاستهلاكية الأساسية فسقط على إثرها العديد من القتلى و الجرحى و أعتقل المئات في السجون و كان المرحوم البنسير من بين ضحاياها حيث قضى اسبوع كاملا رهن الإعتقال لكنه لم يمنعه ذلك من التعبير عن مشاعر و مظاهر مشينة و ممزوجة بتسلط مخزني لم تتجرأ ( الا من رحم ربي )معارضة العار و النخبة الفاسدة عن التعبير عنه. فارتأى المرحوم الرايس البنسير و لو على حساب حريته أن ينبري لفضحها و التشهير بها حتى و إن مات في سبيل قضية فإنه يموت وهو قرير العين ،لأنه مات في إعزاز الامازيغ و في سبيل نيلهم لحقوقهم و كرامتهم في بلدهم الأصلي .
و تعد قصيدة” اكرن ” التي تتجاوز ابياتها المأتين(200)
و التي لحنها و غناها المرحوم الشاعر الرايس البنسير مثالا في شعر السجب و الاسننكار لوضع إجتماعي صعب ميزته الفوارق و الغلاء و الفقر و علاقات الاستغلال و ذلك نتيجة الجفاف الذي عرفه المغرب انداك حيث يقول في أحد ابياتها 《 ارجو نعاقل فالسربيس إلي فكورن》 يعني بلسان عربي لم نعقل يوما أن تكون هكذا طوابير من اجل الدقيق .
قال انذاك وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري، تعقيبا على تلك الأحداث الدامية بالدار البيضاء سنة 1981 واصفا الضحايا” بشهداء الكوميرة” على سبيل السخرية و التندر .
كما أن المرحوم البنسير لم يسلم

من مضايقات و تحرشات بسبب جراته لما نظم مرة أخرى قصيدة بعنوان《 تمزكيدة 》 اي المسجد فكانت متداولة بشكل سري ،لأن المنتج منع من توزيعها، لأن المرحوم الشاعر الرايس البنسير إنتقد الطريقة التي تم بها تدبير جمع التبرعات من طرف ممثلي السلطات المحلية لبناء مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء.
دخل المرحوم الشاعر الرايس البنسير في غيبوبة إستمرت مدتها 24 يوما بمصحة الضمان الاجتماعي بدرب غلف الدارالبيضاء ثم انتقل إلى رحمة الله يوم 11نونبر 1989 و دفن بمقبرة بن مسيك سيدي عثمان، تاركا أكثر من 450 قصيدة غنائية على حد علمي.
لترقد روحك في سلام ايها الشاعر العبقري الملهم ،المرهف الحس و المرتبط بقضايا مواطينه رغم كل المضايقات، فقد أديت الامانة بصدق و شجاعة و إخلاص، و إذ نتذكره في ذكرى رحيله التي مرت عليه 11 يوما و منذ ما يقارب 34 سنة نتمنى
ان تقوم جهات سواء رسمية أو غير رسمية بإعادة الاعتبار لهذا الرايس الشاعر العبقري ، فلا أقل من مجرد التفاتة بسيطة إلى ثراثة الغنائي والشعري، النضالي
قصد القيام بالواجب واللازم تجاه هذا الشاعر الامازيغي العبقري الذي كرس حياته للدفاع عن قضايا المواطن ، وهو معاق لا يقوى على الوقوف والمشي، فرحل في صمت بدون أن يلتفت إليه أحد،
من خلال تشجيع البحث الجامعي حول شعره، وتدريسه في الجامعات والمدارس للأجيال الناشئة، وكذا تسمية بعض الشوارع والمؤسسات العمومية باسمه، وتنظيم ملتقيات فكرية وندوات تعرف به وبشعره
حتى تعرفه الاجيال التي لم تعاصره و يبقى ذخرا للذاكرة الجماعية