عنـدما تـكثر الجِباية تشرف الدولة على النهاية وعندما تنهار الدول يكثر المنجمون والمتسولون والمنافقون والمدّعون والكتبة والقوّالون..
والمغنون النشاز .. والمتصعلكون وضاربوا المندل وقارعوا الطبول والمتفيقهون ( أدعياء المعرفة )
وقارئوا الكفّ والطالع والنازل..
والمتسيّسون والمدّاحون والهجّاؤون وعابروا السبيل والانتهازيون.. تتكشف الأقنعة
ويختلط ما لا يختلط..
يضيع التقدير ويسوء التدبير..
وتختلط المعاني والكلام..
ويختلط الصدق بالكذب
والجهاد بالقتل
عندما تنهارالدول يسود الرعب ويلوذ الناس بالطوائف
وتظهر العجائب وتعم الإشاعة..
ويتحول الصديق إلى عدو والعدو إلى صديق..
ويعلو صوت الباطل..
ويخفق صوت الحق..
وتظهر على السطح وجوه مريبة..
وتختفي وجوه مؤنسة..
وتشح الأحلام ويموت الأمل..
وتزداد غربة العاقل وتضيع ملامح الوجوه..
ويصبح الانتماء الى القبيلة أشد التصاقا..
والانتماء الى الأوطان ضربا من ضروب الهذيان..
يضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء..
والمزايدات على الانتماء.
ومفهوم القومية والوطنية والعقيدة وأصول الدين..
ويتقاذف أهل البيت الواحد التهم بالعمالة والخيانة..
وتسري الشائعات عن هروب كبير..
وتحاك الدسائس والمؤامرات..
وتكثر النصائح من القاصي والداني..
وتطرح المبادرات من القريب والبعيد..
ويتدبر المقتدر أمر رحيله والغني أمر ثروته..
ويصبح الكل في حالة تأهب وانتظار..
ويتحول الوضع الى مشروعات مهاجرين..
ويتحول الوطن الى محطة سفر..
والمراتع التي نعيش فيها الى حقائب..
والبيوت الى ذكريات والذكريات الى حكايات.”
رحمك الله يا ابن خلدون كأنك إستقرأت مايحصل في بلادي حالياً في زمن عصابات الأحزاب ..

مقتطف من كتاب : مقدمة كتاب الجاسوس في القرن الرابع عشر الميلادي لإبن خلدون.