✍️ محمد قوسيح

في صورة تعكس يأساً عميقاً وقلقاً متزايداً، شهدت مدينة الفنيدق مؤخراً محاولة هجرة جماعية لشباب مغربي نحو إسبانيا، تجسد بوضوح تصاعد أزمة البطالة وتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المغرب. هذا التدفق الكبير للشباب نحو الضفة الأخرى يعكس الفشل الذريع في السياسات العمومية التي تبنتها حكومة التجمع الوطني للأحرار، والتي أظهرت عجزاً واضحاً في معالجة المشكلات الحقيقية التي يعاني منها المواطنون، وخصوصاً فئة الشباب.

إن هذا المشهد المأساوي ليس مجرد نتيجة لتفشي البطالة أو الافتقار للفرص الاقتصادية فحسب، بل هو تعبير عن أزمة أعمق تتعلق بفشل حكومي متواصل. فمنذ تولي حكومة التجمع الوطني للأحرار مقاليد الحكم، تزايدت معاناة الشباب المغربي بشكل ملحوظ، حيث أضحت السياسات الحكومية تتسم بالضعف والتجاهل لمشاكل الشباب الملحة. وقد أدى هذا الفشل إلى تفاقم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، مما دفع العديد من الشباب إلى البحث عن أي وسيلة للهرب من واقعهم المرير، حتى وإن كانت تلك الوسيلة محفوفة بالمخاطر.

مع ارتفاع معدلات التضخم وغلاء الأسعار الذي طغى على الحياة اليومية، أصبح من الواضح أن السياسات الاقتصادية التي تبنتها الحكومة لم تكن قادرة على مواجهة تحديات العصر. الأسعار المرتفعة لمستلزمات المعيشة وضيق الفرص الاقتصادية قد دفعا العديد من الشباب إلى حافة الانهيار، في ظل غياب استراتيجيات فعالة للتعامل مع هذه التحديات. وبدلاً من تنفيذ برامج تنموية مستدامة تعزز من قدرة الشباب على الانخراط في سوق العمل والمشاركة الفعالة في تنمية بلدهم، بدت السياسات الحكومية وكأنها مجرد إجراءات سطحية لا تسهم في حل المشكلات الجذرية.

الأزمة ليست محصورة فقط في نقص الفرص، بل تتعلق أيضاً بانعدام الأمل في تحسين الأوضاع. فالشباب المغربي اليوم يعيش حالة من الإحباط والعجز، حيث يبدو أن الأفق مسدود تماماً أمامهم. هذا الإحساس بانعدام الفرص وفراغ المستقبل ساهم بشكل كبير في دفعهم نحو خيارات يائسة، مثل الهجرة غير النظامية، في محاولة للخروج من دوامة الفقر والضيق الذي يواجهونه.

إن ما يحدث في الفنيدق هو مجرد تجسيد ملموس لأزمة وطنية واسعة، تتطلب معالجة حقيقية وشاملة من قبل الحكومة. بدلاً من التركيز على التجميل الظاهري وتحقيق مكاسب سياسية قصيرة الأمد، ينبغي على الحكومة أن تركز على إصلاح السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وأن تعمل على تحسين الظروف المعيشية للشباب وتعزيز فرصهم في المستقبل. إن مواجهة هذه الأزمة يتطلب شجاعة سياسية ورؤية استراتيجية بعيدة المدى، لا تتوقف عند حدود التصريحات والخطط غير المجدية، بل تتطلب أفعالاً ملموسة تساهم في تغيير واقع الشباب المغربي وتمنحهم الأمل في غدٍ أفضل.

إلى حين ذلك، ستظل محاولات الهجرة الجماعية، مثل تلك التي شهدتها مدينة الفنيدق، دليلاً قاسياً على مدى إخفاق السياسات الحكومية في تلبية طموحات وأحلام الشباب المغربي، وستظل صرخات هؤلاء الشباب نداءً عاجلاً لحلول فعالة تخرجهم من أزماتهم الحالية وتعيد إليهم الأمل في مستقبل أفضل.