عبد الكريم غيلان كاتب رأي
في كل عام، ومع حلول الحادي عشر من سبتمبر، تتجدد الجراح وتعود الذكريات لتغزو قلبي. ليس الأمر فقط لأن هذا اليوم يمثل ذكرى واحدة من أشد الأحداث إيلامًا في تاريخ البشرية، بل لأنه يمثل أيضًا ذكرى خاصة جدًا لي، ذكرى رحيل أبي العزيز يوم الثلاثاء 11 شتنبر 2001
في ذلك اليوم المشؤوم،
توقف الزمن. كان العالم كله وكأنه يحبس أنفاسه. لم اصدق ما اشاهده على شاشات التلفاز. صور الدمار والخراب كانت تلاحقني أينما ذهبت ، وفي خضم كل هذا، كان قلبي ينزف حزنًا على فراق أعز ما املك. شعرت وكأن العالم قد انهار علي، وكأن كل شيء قد فقد معنى.
بينما كان العالم مشدودًا إلى شاشات التلفاز، مشغولا بتغطية الأحداث الدامية، يتابع بذهول ورهبة الهجمات الإرهابية التي هزت برجي التجارة العالمي و البنتاغون أحداثًا غير مسبوقة، كنت أنا أغرق في بحر من الحزن والألم. ففي الوقت الذي كانت فيه الأبراج الشاهقة تنهار، كان قلبي ينهار معها، حزينًا على فراق أعز ما أملك.
لم أكن أتصور قط أن أجمع بين حزنين بهذا العمق. حزن على فقدان والدي، وحزن على فقدان العالم للأمان والاستقرار. كان الأمر وكأن الكون قد تآمر عليّ في ذلك اليوم، ليختبر صبري وقدرتي على التحمل.
بينما كان العالم ينحني حزنًا على فاجعة هزت أركانه، كنا نحن عائلة غيلان نغرق في بحر من الأحزان الشخصية، فقد تصادف رحيل والدي الكريم مع هذا الحدث الأليم، ليزداد الألم عمقًا والحزن شدة في أعماق قلوبنا، حيث يتجذر الحزن ويترعرع الألم، تتلاقى خيوط المصائب لتنسج لنا لوحة قاتمة من الفقد والأسى. وفي هذا المشهد الحزين، تتجسد معاناة فريدة، معاناة من فقد الأب في لحظة يرتوي فيها العالم من دموعه جراء مصيبة جماعية.
يا من فقدتم عزيزا عليكم في تلك الأيام العصيبة، إننا نشاطركم أحزانكم، ونعزي أنفسنا بكم. ففقدان الأب هو بمثابة اقتلاع لشجرة عائلة، هو فراق عن الحضن الدافئ، والصديق المخلص، والمعلم الأول. وفي ظل هذه الظروف الاستثنائية، تتضاعف الصدمة، وتزداد الآلام عمقاً.
إن فقدان الأب في أي وقت هو أمر مؤلم، ولكنه يكتسب بعداً آخر عندما يتزامن مع حدث عالمي يستهلك اهتمام الجميع. ففي الوقت الذي يحاول فيه العالم أن يستوعب حجم المصيبة التي ألمت به، وجدت نفسي غارقا في بحر من الحزن الشخصي، محاصرا بأفكاري وآلامي ، شعرت بأن العالم من حولي قد توقف عن الدوران، وأنني وحيدا في مواجهة هذا الفقد العظيم.
ولكن أيها القراء الأعزاء، زوار هذا الموقع المحترم ، تذكروا أنكم لستم وحدكم في هذا العالم، وأن هناك من يشاطركم أحزانكم، ويعزي معكم. تذكروا أن الله سبحانه وتعالى أقرب إلينا من حبل الوريد، وأن الصبر على المصائب هو من أعظم القربات. فالصبر ليس مجرد تحمل للألم، بل هو إيمان راسخ بأن الله تعالى لا يضيع أجر المحسنين، ففي كل مصيبة رحمة ،و في كل ابتلاء حكمة ،فالصبر على البلاء هو دليل على أيمانكم بقضاء الله و قدره .
إن فقدان كل عزيز يترك فراغاً كبيراً في النفوس، فراغاً يصعب ملؤه. ولكن مع مرور الوقت، ومع التوكل على الله، ومع الدعاء والاستغفار، ستجدون أنفسكم تتعافون تدريجياً. ستجدون أن ذكريات الفقيد المحبوب ستظل حاضرة في قلوبكم، وستكون مصدر قوة وإلهام لكم في مسيرتكم الحياتية التي لا تتوقف عند المصائب، بل تستمر، فلنسعى إلى الحياة، ولنعمل على تحقيق أحلامنا وطموحاتنا، فذلك هو أفضل تكريم لكل فقيد عزيز .
إننا اليوم نحمل على أكتافنا مسؤولية كبيرة، وهي مسؤولية الحفاظ على ذكرى كل فقيد عزيز ، ونشر الخير في المجتمع، فلنكن قدوة حسنة لأبنائنا وأحفادنا. عزاؤنا واحد و صادق المواساة لكل من فقد عزيزا .
إن فقدان كل عزيز هو فاجعة لا تُنسى، ولكن الحياة تستمر، فلننظر إلى المستقبل بعيون مليئة بالأمل، ولنعلم أن الله معنا في كل خطوة.
إلى روح كل فقيد عزيز ، نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته.
تعليقات الزوار ( 0 )