✍️ ياسيــن كحلـي : مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية

شهدت الساحة التشريعية المغربية تطورا هاما على مستوى تنظيم الحق في الإضراب، حيث صادق مجلس النواب في يومه 24 دجنبر 2024 بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15، الذي يعد إطارا قانونيا مرجعيا يحدد شروط وكيفيات ممارسة هذا الحق. وتنبع أهمية هذا المشروع من كونه يمثل استجابة قانونية لتحديات تنظيم الإضراب بما يحقق التوازن بين ممارسة الحق وحماية المصلحة العامة.

أولا : الإطار العام والمصادقة التشريعية
تجلت المصادقة على المشروع بتأييد 124 نائبا ومعارضة 41، بينما لم يمتنع أحد عن التصويت، وهو ما يعكس حجم التباين في المواقف بين مختلف الكتل البرلمانية. وقد شهد المشروع تحفظات من فرق برلمانية بارزة مثل الفريق الاشتراكي للمعارضة الاتحادية، وحزب التقدم والاشتراكية، والمجموعة النيابية للعدالة والتنمية، فضلا عن نواب فيدرالية اليسار.

ثانيا : أبرز التعديلات والإضافات الجوهرية
استنادا إلى المناقشات المطولة التي أحاطت بالمشروع، سواء داخل لجنة القطاعات الاجتماعية أو خلال الجلسة العامة، تم إدخال تعديلات أساسية تعكس التوجه نحو صياغة قانون أكثر شمولية. ومن بين هذه التعديلات :

شمولية المستفيدين من الحق في الإضراب
أُضيفت فئة العمال والعاملات المنزليين ضمن الفئات المشمولة بأحكام هذا القانون، مما يعكس تطورا في الاعتراف بحقوق هذه الفئة المهمشة مند أمد طويل.
 تعديل تعريف الإضراب
أعيد النظر في تعريف الإضراب ضمن المادة الثالثة، لتصبح أكثر وضوحا ودقة، متجاوزة الإشكاليات التأويلية التي قد تعيق تطبيق هذا الحق الدستوري.
حذف القيود على أنواع الإضراب
تضمنت المادة الخامسة حذف الإشارة إلى منع الإضراب السياسي والإضراب بالتناوب، مع وضع قيد عام يمنع الدعوة إلى الإضراب بطرق تتعارض مع مقتضيات هذا القانون.
 إدراج مرافق حيوية
أُضيفت مرافق حيوية مثل بنك المغرب وموظفي الملاحة الجوية إلى قائمة القطاعات التي يجب فيها توفير حد أدنى من الخدمة، بهدف الحفاظ على استمرارية المصالح الأساسية وفق مبدأ استمرارية المرافق العمومية.

ثالثا : إشكالية الإجراءات والتطبيق
أبرزت التعديلات أيضا بعض المستجدات الإجرائية، حيث تم تعديل نصاب الجمع العام من %75 إلى %35، مما يسهل اتخاذ قرار الإضراب. بالإضافة إلى ذلك، قُلصت مدة الإشعار المسبق بالإضراب إلى سبعة أيام، مع خفضها إلى ثلاثة أيام في حالات الطوارئ أو الأخطار الوشيكة.
أما على مستوى العقوبات، فقد تم حذف النصوص السالبة للحرية، وهو ما يعتبر استجابة لضغوط حقوقية تهدف إلى حماية الحق في التعبير الجماعي. ومع ذلك، يظل اللجوء إلى القضاء الاستعجالي لوقف الإضراب ممكنا في حال تهديد النظام العام أو الإخلال بالحد الأدنى من الخدمة.

رابعا : التحديات والآفاق المستقبلية
إن إحالة المشروع إلى مجلس المستشارين يفتح المجال أمام مزيد من النقاشات القانونية والاجتماعية، نظرا للطبيعة التمثيلية لهذا المجلس الذي يضم مهنيين ونقابيين. ويعد أبرز التحديات في إيجاد صيغة تضمن تحقيق العدالة الاجتماعية، دون المساس بالمصالح الحيوية للدولة.

وخلاصة القول بأن مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 هو محاولة جادة لتنظيم ممارسة حق الإضراب بشكل يوازن بين الحقوق الدستورية والاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك، فإن التطبيق الفعلي لهذا الإطار القانوني سيبقى مرهونا بمدى تجاوب الأطراف المعنية، سواء من النقابات أو أرباب العمل، مع مقتضياته.