هيئة التحرير 6 أبريل 2022 -
17:50
ياسين خرشوفة ✍️
نهاية كل عام، يقوم الموقع الإباحيّ الأبرز، والأكثر زيارة في العالم “P.H” بعمل إحصائيّةٍ مفصّلة عن تفاعل الزوّار عليه -إحصائية 2019 تتحدث عن 42 مليار زيارة- ويوردها -منذ عام 2012- على موقعٍ خاصٍ خالٍ من الإباحيّة بعنوان “P.H.Insights”وذلك بعد القيام بعملٍ إحصائيٍ تفصيليّ يقوم عليه عشرات من (الإحصائيين المغامرين) “intrepid statisticians” كما يسميهم التقرير…
التقرير يحتوي على العديد من الأشياء التفصيليّة الدقيقة مثل (عدد المشاهدات، عدد التحميلات، البلاد الأكثر مشاهدة، أوقات المشاهدة، آلية الوصول، التفضيلات البحثية، المقاطع الأكثر مشاهدة…) وفور صدوره تضج العديد من المواقع الأجنبية بالحديث عنه، ويقدّم الباحثون في علم النفس تحليلات وتعليقات مستمرة على ما يحكيه التقرير من نتائج، وما يضمره من أفكار…هنا أود الوقوف على ملاحظتين:
1- في المراجعة السنويّة لعام 2019 كانت النسبة الأعلى بحثًا جاءت عن فئة (الهواة) “amateur” أي صنّاع الإباحيّة من غير المحترفين والنجوم، وهذا يحكي أمرًا مهمًا في سياق مجتمعات اللذة المعاصرة، وهو أنّ الحساسيّات الأخلاقيّة تجاه الصناعة الإباحيّة في تراجع، إذ صعود “إباحية الهواة” يُفسّر -من بين عدّة عدّة تفسيرات-بأنّ العديد من الناس في العالم الغربيّ بات لا يرى غضاضة في العمل ضمن قطاع “الأفلام الإباحيّة”.
وهذا الأمر متفهّم لأنّ الصناعة الإباحيّة عمدت إلى إنتاج “عاهرة بدوغما” ومضى ذلك الزمن الذي كانت فيه “العاهرة أقل الناس دوغمائيّة” على حد تعبير إميل سيوران في إحدى شذراته (رسالة في التحلّل) إذ ضرب اليوم تحوّل في رؤية البغيّ لذاتهـ/ـا، وبات للعاهر/ة ادّعاءات أخلاقيّة، أيّ صار للعاهر/ة حظّ من الدوغمائيّة.
ومن شاهد عملًا مثل ask porn البرنامج الذي يقوم على عمل مقابلات مع بعض ممثلي وممثلات الإباحيّة وسؤالهم/نّ بعض الأسئلة من نوعيّة (هل تذهبون للكنيسة، ما موقع الغيرة في حياتكم الزوجية، هل تتعرض بناتكم للتنمر بسبب عملكم…) وبالتالي محاولة أنسنة العاهر/ة، أو الفصل بين العاهر/ة وعهرهـ/ـا (على ما يقول الصديق طارق العلي في مقالة رائعة حول الموضوع) أي اعتبار العمل الإباحي عملًا له تاريخ، وتقاليد، وشرف، ولدى ممثليه وممثلاته “رؤية للعالم”. باختصار لقد مضى ذلك الزمن الذي تقابلنا به العاهرة بـ “ابتسامة فاترة” على حد تعبير سيوران…(في عدّة إباحيّات يحملن شهادة دكتوراة في الفلسفة، إحداهنّ قدمت أطروحة حول: وجودية هيدجر -فيما أذكر-)
وهذا يحكي أيضًا عن تراجع ملحوظ في مؤسسة علم النفس تجاه تجريم هذا الأعمال (موقع مثل pyschologytoday بات اليوم مليئًا بمقالات تقريظيّة عن فوائد مشاهدة الإباحيّة!) وكذلك لحق تراجع نسبيّ في النقد النسوي للأعمال الإباحية، خاصّةً بعد صعود تيار “العدالة الإباحيّة” على حد تعبير إحدى دعاته “تريستان تاورمينو”، والذي بات لا يريد أكثر من حضور المرأة في الأعمال الإباحية بصورة لا تظهر فيها الهيمنة الذكوريّة! (وهذه النقطة تحتاج إلى تفصيل، ليس هنا مقامه)
2- مؤخرًا، في تقرير عام 2021، كانت النسبة الأعلى بحثًا هي عن فئة (الهنتاي) “hentai” أي الإنمي-الإباحيّ، ولهذا الامر تفسيرات عديدة، أولًا تعلّق جيل الألفية وجيل Z بأعمال الإنمي، ثانيًا ينطوي عالم الإنمي الإباحيّ على إطلاق الخيالات المنفلتة من عقال العالم الطبيعيّ الواقعيّ (في ذات النقطة في عام 2019 كانت ثاني أعلى عمليات البحث هي لفئة (الفضائيين) “Aleins” وهذا ليس بعيدًا عن الرغبة في إنشاء عالم من التهويمات الجنسيّة الخياليّة التي تصلح للاستهلاك البصري المحفّز للإدمان…) ثالثًا وهو الأهم تصور رسوم الهنتاي الفتيات على أنهنّ أشباه أطفال، وراغبات على الدوام بأن يتم الاعتداء عليهنّ، وعلى ذلك فأعمال الهنتاي يمكن تصنيفها من نوعيّة الأفلام الإباحيّة المستغلّة للأطفال!
وآية ذلك أنّه غالبًا ما يكون عمر الفتيات غامضًا، لكن الشائع هو أن تَظهر الشخصيات على أنها بريئة الملامح، ولأن الصور في هذه الأفلام هي رسوم متحركة كرتونية، فإن هذه الرسوم التوضيحية للشخصيات الخيالية لا تشكل مواد إباحية للأطفال (بحسب القوانين العالميّة المتعلقة باستغلال الأطفال في الأعمال الإباحيّة) وينجذب حينئذٍ الأشخاص إلى هذا النوع من المواد الإباحية معتقدين أنها أقل ضررًا لأنهم يعتقدون أنه “لا يوجد إنسان حقيقي” يتم استغلاله. لكن النقاد والباحثين في علم النفس يجادلون بأن إباحية الهنتاي مرتبطة بالإباحية العادية، لأن إباحية الهنتاي ببساطة تكرر ما يمكن العثور عليه في الإباحية العادية أيضًا…
وبصورة أوضح بات الهنتاي هو البوابة الخلفيّة لاستغلال وتصوير الأطفال في الأفلام الإباحيّة، وداعمًا مهمًا لحركة البيدوفيليا القادمة بعد عدة سنوات قريبة…
تعليقات الزوار ( 0 )