حب كرة القدم وغيرها من أنواع الرياضات ليس عيبا ، لكن الإستسلام لها والتخدر بها ، والإنفصال عن الواقع المعاش حبا فيها يبدو شيئا من الغباء والبلادة .
رجال السياسة هم الأخرون يحبون كرة القدم ، لكن إن لم نقل جلهم ، فأغلبهم لا يشاهدونها ، لكن يحبون فيها قدراتها ، لأنهم يعرفون مدى التأثير الكبير والقدرات التخديرية التي لاتوجد في أخطر أنواع المخدرات ، هم يدركون أن كرة القدم لها القدرة على فصل الإنسان عن واقعه المعاش ، وتغرس فيه مشاعر الإنتماء لجماعة تتجسد في فريقه المفضل ، كان منتخبا وطنيا ، أو ناديا أجنبيا ، والأخطر في هذا التخدير ومدى فاعليته ، هو أن الفوز أو الخسارة سيان عند الساسة ، بمعنى أن الفوز تعم فيه مشاعر الرضا على السلطات السياسية التي تنسب إليها إنتصار فريقهم المفضل ، وإن خسر ، فالشعور بالإحباط سيبقي هذا المواطن تحت تأثير التخدير وغير قادر على الحركة و الكلام ، وأي تصرف أو ردة فعل تنحصر داخل مدرجات الملعب فقط ، حيث يصبح الشعور بالفوز أو الخسارة له علاقة بالوطنية ، علما أنه يبقى مجرد متفرج وهو الخاسر كلا الحالتين .
وحتى يجعلوا رجال السياسة هذا النوع من المخدر وسيلة لتجييش المشاعر الوطنية تسمح بخروج الٱلاف في الساحات العامة في حالة الفوز ، والشئ المثير للعجب ، خصوصا في الدول المستبدة التي تتوجس من تجمع أربع أشخاص في فضاء عام للتظاهر ضد قضية ما ، قينتقل معيار الوطنية من الخروج للفضاء العام بحثا عن قضية مجتمعية تهم الوطن ككل ، إلى ملء الشوارع بمشاغبي الملاعب والمخدرين بجرعات زائدة من كرة القدم ، ممن يقدمون أرواحهم فداءا لولائهم المفرط لهذه اللعبة بسكتات قلبية .
تعتبر كرة القدم أخطر أنواع المخدرات الموجودة في عالمنا المعاصر ، كونها لاتصنف كمخدر وبالتالي لا يتم معاقبة من يتعاطاها ، فهي تدخل كل البيوت وكل العقول ، حقنة تحقن في أجسادنا وعقولنا لتنقلنا من حالة إلى أخرى ، وعند إنتهاء مفعولها نعود لنعايش مٱسينا والتي تكون أكثر تأزما تحت تأثير حقن أنظمتنا السياسية ومؤسساتنا الإعلامية .
هناك جهود منهجية لاتظهر للعيان تعمل على تكوين جيل غير مسيس ، لايهتم بشكل النظام السياسي وما يجري في دواليب حكوماته ، جيل لايعرف شيئا عن السياسة ، ولايريد أن يعرف ، لأنه يقف حائرا ومعجبا بكبار اللاعبين العالميين ، جيل لايعرف الراية الوطنية والنشيد الوطني إلا في مباريات كرة القدم ولايتظاهر إلا تعبيرا عن فوز فريقه ولايغضب إلا عندما يخسر ! .

✍️ المصطفى المرجاني