✍️عبد الرحمان أمزيل (باحث في علم الاجتماع)
يقال قديما إن الرجل كان بطل زمانه، يحمل السيف ويخرج باحثا عن رزقه، في ظل واقع محكوم عليه بمبدأ: “القوي يأكل الضعيف”. وكانت المرأة تحت يدي الرجل، خادمة له ومحتاجة إليه؛ فهي كانت مضطرة أن تخدمه وتلين له الكلام وتغريه وتلبي احتياجاته، لكي تحصل منه على ما تريده. أما اليوم فقد انقلب هذا المبدأ وأصبح الذكاء والمكانة الإجتماعية وامتلاك الرساميل هي المحدد الأساسي لفعل القوة؛ فقد بطل فعل السيف وذهب زمان العضلات المفتولة، وحل محله زمن الذكاء والحيلة والخداع، وبهذا خرجت المرأة تنافس الرجل في عمله، وشعرت بأنها قادرة على منافسته، فلا سيف هناك ولا مصارعة.(1) هذا ما يذكرنا به التاريخ: “إنه لابد مما ليس منه بد!”.
لا شيء يبقى على حاله، كل شيء معرض للزوال والفناء؛ فما يصلح لزمان قد لا يصلح لزمان آخر، وهكذا هي الحياة، فالمرأة قديما كانت لا تملك السلطة التي ستجعلها تنافس الرجل، أما اليوم فقد وصلت للسلطة، وأصبحت تستطيع أن تدخل فضاءات كانت حكرا على الرجل، وأن تعمل في مجالات كانت كذلك حكرا على الرجل، وأن تتكلم كما يتكلم الرجل، فلم يعد هناك فرق بينهما والعياذ بالله. فإذا فكر هذا الرجل أن يستغلها، استطاعت أن تقلب عليه القفة وتكيل له الصاع صاعين،
وهي فوق كل هذا تملك من الجمال والتضاريس الجغرافية الخلابة ما يجعل هدا العنتري من الرجال يتبعها كمجنون بدون عقل،(2) ولعل هذا ما يجعلنا نقول إن لكل زمان منطقه الخاص به،
فالحداثة مثل واد هائج يجلب معه الصالح والطالح، ولا يمكن ان نأخد ما نريد ونترك ما نريد؛ فالحضارة الغربية مغرية، وقد اجتاحت كل أعقاب العالم وهي ليست خصيصة فقط على أهل الغرب، بل ساهم فيها الشرق والغرب معا، وقد أثرت على العالم أجمع، فالإنسان اليوم مخير أن يسلك أي الطريقين أراد، وكل منهما له تداعياته وتكلفته، فإما أن يسلك طريق الحداثة! أو يسلك طريق التراث والتقاليد، وما وجد عليه آبائه! أو يجمع بين الحداثة والتراث كما خلص إلى ذلك المفكر محمد عابد الجابري…
وأعتقد أن أنصار حملة لا تتزوجها موظفة يسيرون في طريق التراث وما وجدوا عليه آبائهم، ويبنون موقفهم على أساس أن المكان الأصلي للمرأة هو البيت وتربية الأبناء والقيام بالأعمال المنزلية خدمة للرجل، كما وجدوا عليه أبائهم، ولا أغالي إن قلت إن هذا الطريق هو الأخف ضررا للفرد وللمجتمع، كما سار عليه أنصار النظرية الوظيفية، في قولهم إن تقسيم العمل حسب النوع (الجنس) يعد وظيفيا؛ أي أنه يؤدي وظائف إيجابية، ويعمل على تدعيم البناء الإجتماعي، فقد يكون من الضروري بالنسبة للمجتمع أن يتمتع الرجل بالسيادة والسيطرة، وأن تكون المرأة في وضع تابع للرجل، إذ إن مثل هذا التقسيم إلى أدوار مسيطرة وأدوار تابعة، يؤدي الى التقليل من حدة التوتر والصراع، ويوصل إلى اتخاد أفضل القرارات، مما يساهم في التماسك الإجتماعي.(3)
وقد بينت الدرسات الحديثة، في هذا الشأن أن سياسات النوع تساهم في الفوارق الاجتماعية بين الجنسين، أكثر مما توحد بينهما، ولكي لا أكون متحيزا لطرف دون آخر، فهذا لا يعني أن الموظفة هي التي تبعث الصراع والانفصال في الأسرة، بل إن العقلية الذكورية تساهم في هذا أيضا بشكل أو بآخر. وذلك في ظل سياق متسم بالانفتاح والتحرر وخروج المرأة للعمل، فنحن هنا لا ننكر أننا في زمان ما كان قديما ويعتبر نموذجا يحتدى به، فقد يصير، ويكون في زمان آخر، إطارا لا يصلح فيه، كمثل ذلك الشخص الذي لبس الثوب أعواما وأعواما، حتى أصبح باليا فوق جسده، “إنه لابد مما ليس منه بد!”.
وبالتالي فإن أي الاختيارين سواء الموظفة أو غير الموظفة؛ فكل واحد منهما له جانب من السلبية والإيجابية. ولعل ما نسعى لقوله هنا أن الفرق يكمن في الدرجة لا في النوع، ولذلك فإن عمل المرأة ودخولها لرابطة الزوجية، والتوفيق بينهما، أراه صعبا شيئا ما للمرأة. خصوصا إذا كان عمل المرأة مرتبطا بالمكوث في مقر العمل طيلة اليوم، مما يؤدي إلى كون أداء الأدوار الأمومية منعدما عند هذه الفئة، عكس المرأة الماكثة في البيت طيلة اليوم. مما يجعلها تتفرغ لأداء هذه الأدوار بشكل مكتمل، ونحن هنا على أي حال لا ننكر ما للمرأة الموظفة، من أدوار إيجابية تؤديها للمجتمع ككل، فالمجتمع يحتاج معلمة، ممرضة، سائقة، مربية، محامية، أستاذة جامعية… إلخ.
فالمرأة بعد أن خرجت من البيت فلا تنتظر يوما ما أن ترجع إليه، فمن أراد أن يرجعها، كذلك الذي يريد أن يرجع عقارب الساعة للوراء،(4) فهذه سنة الله في كونه “ولن تجد لسنة الله تبديلا”، وفي سياق حملة لا تتزوجها موظفة أعتقد انها تخفي رهانا آخر غير المعلن عنه، حيث إن سياق ظهور هذه الموجة جاء عقب إعلان نتائج مباراة التعليم والتي تكشف رهانا آخر يتمثل في أن النساء حاليا اقتحمن سوق الشغل من كل أبوابه، مما يهدد بشكل غير مباشر مكانة العنصر الذكوري في المجتمع، حيث إن الصراع في الأخير، هو صراع حول الموارد، فمن يملك هو من يحكم، وهذه الموجة تخفي هذا الجانب الاقتصادي، أكثر مما يظهر في خطابات الفاعلين، المتفاعلين مع هذه الموجة.
■المصادر:
1: علي الوردي، مهزلة العقل البشري، دار كوفمان للنشر، توزيع دار الكنوز الادبية، الطبعة التانية، ص 14
2: نفس المرجع
3: طلعت إبراهيم لطفى، كمال عبد الحميد الزيات، النظرية المعاصرة في علم الاجتماع، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ص 84
تعليقات الزوار ( 0 )