نشرة-متابعة: رحال الأنصاري
الفساد المستشري في قطاع الصيد البحري، والذي يندرج في إطار معضلة كبيرة تعاني منها بلادنا، تتمثل في اقتصاد الريع ونوع من النشاط الاقتصادي القائم على غياب الحكامة والشفافية والاستفادة من الامتيازات، هذا النشاط يؤدي إلى التوزيع غير العادل للثروة ويخلف الفوارق الاجتماعية بين أفراد المجتمع. فلو قدر لباحث مهتم في المهازل التي تعيشها مؤسسات الدولة، لصنف مجال الصيد البحري من المراتب الأولى وصنف إقليم بوجدور كإقليم أكثر فساداً، حيث انعدام الحس الوطني والأخلاقي بفعل انعدام المراقبة وممارسة سياسة “عين ما شافت قلب ما وجع”، ما يزيد من الاختلالات ضاربين بعرض الحائط التوجهات الملكية الرامية إلى احترام القانون. ولعل ما يعيشه ميناء بوجدور من اختلالات يجعلنا نطرح أسئلة مشروعة عن الجدوى من وجود مسؤولين بهذا الميناء، ومجموعة من الممارسات غير القانونية تؤثر بشكل سلبي في أسعار السمك. هذه السلوكيات تُشاهد وتُمارس يومياً حيث أن مجموعة من قوارب الصيد البحري لا تصرح بالحمولة الحقيقية التي تم اصطيادها، خاصة مادة السردين، حيث يتم التصريح بالنصف في المزاد العلني في حين أن الباقي يباع خلسة للسماسرة والمضاربين بنصف ثمن المزاد العلني ودون أن تستفيد الدولة المغربية من الضرائب؛ وتتم العملية أمام أعين جميع المؤسسات المتواجدة بالميناء في إشارة واضحة أن ما يقع يتم تزكيته ومباركته لمن أوكلت لهم مهام المراقبة والتصدي لهذه العمليات الإجرامية التي تدخل في عملية التهرب من الضريبة وخيانة الأمانة. هذه الخروقات لها ما يبررها، فالسكوت عن هذه المخالفات الجسيمة يجعل من المستهلك يدفع ثمن الكيلو الواحد بـ20 درهماً في حين أن ثمن الكيلو ببعض المدن لا يتعدى 10 دراهم، إذا ما وضعنا في الحسبان أن ثمن صندوق السردين انخفض بموانئ أخرى، الشيء الذي جعل من المواطن بإقليم بوجدور ضحية هذه التلاعبات حيث يدفع ثمن تقاعس وتورط البعض في نهج سياسات غير مرغوب فيها. كما أن هناك أسئلة تطرح بإلحاح: كيف يتم إخراج هذه المنتجات البحرية من الميناء إلى الأسواق دون مراقبة؟ ومن يحمي الوسطاء والسماسرة الذين باتوا يهددون كل من يتصدى لهذه المخالفات؟ فتحرك السلطات على الصعيد الإقليمي أصبح مطلباً مشروعاً لوقف جبروت السماسرة والمضاربين. ومن خلال مجموعة من المعطيات، فإن المتتبع للشأن المحلي يريد تدخل عامل إقليم بوجدور بشكل عاجل وكل غيور عن وطننا العزيز لوقف هذه العنتريات التي لم تعد مقبولة في مغرب اليوم مغرب الشفافية والحكامة.
أين نحن من الشفافية والحكامة بميناء بوجدور؟
إن تحقيق الشفافية والحكامة الجيدة في ميناء بوجدور يتطلب تطبيق إجراءات صارمة لمراقبة الأنشطة والممارسات التجارية. على الرغم من التوجيهات الملكية الواضحة نحو احترام القانون وتعزيز الشفافية، إلا أن الواقع يعكس غياباً ملحوظاً لهذه المبادئ في الميناء. على سبيل المثال، عمليات التفتيش والمراقبة يجب أن تكون شاملة ودورية لضمان التصريح الدقيق بالكميات المصطادة ومحاسبة المتورطين في تهريب الأسماك والتهرب الضريبي. كذلك، يجب تعزيز دور السلطات الرقابية وتفعيل قوانين صارمة ضد الفساد والمتورطين فيه. إن تبني هذه الخطوات لن يعزز فقط من شفافية قطاع الصيد البحري، بل سيساهم أيضاً في تحقيق توزيع أكثر عدلاً للثروة وحماية الاقتصاد الوطني من التلاعب والاستغلال غير المشروع. علينا أن نتساءل: هل نحن مستعدون لاتخاذ هذه الخطوات الجريئة نحو التغيير؟ وهل يمكننا كبح جماح الفساد والمضاربة في ميناء بوجدور من أجل مستقبل أكثر نزاهة وازدهاراً للجميع؟
الميزان بالمرسى
من بين الأدوات الحيوية التي تساهم في الشفافية والعدالة في قطاع الصيد البحري هو الميزان الموجود بالمرسى. هذا الميزان يجب أن يكون أداة لضبط ومراقبة الكميات المصطادة بدقة وشفافية، إلا أن الواقع يشير إلى أن هناك تلاعبات وخروقات في استخدامه. تُظهر التقارير أن العديد من الصيادين والسماسرة يتلاعبون بالميزان لتصريح كميات أقل من الحقيقة، مما يسمح لهم ببيع الباقي بطرق غير قانونية. هذا التصرف لا يؤثر فقط على الاقتصاد المحلي بتهربه من الضرائب، بل يضرب أيضاً مبدأ الشفافية في الصميم. إن وجود ميزان دقيق وموثوق به في المرسى مع تطبيق صارم للرقابة يمكن أن يحد من هذه الممارسات غير القانونية، ويساهم في تحقيق بيئة تجارية أكثر عدالة ونزاهة، مما يعود بالنفع على الجميع، بدءاً من الصيادين وحتى المستهلكين النهائيين.
تعليقات الزوار ( 0 )