ودعت مدينة الرباط، يوم أمس الجمعة ،في لحظة صمت ثقيل تخللتها مشاعر الاعتراف والوفاء،واحدًا من رجالات الدولة الذين صنعوا الفرق في صمت، ومضوا في طريق الخدمة العامة دون أن يبحثوا عن الأضواء: عبد القادر بنسليمان، الوزير السابق والدبلوماسي المغربي المخضرم، ورجل زعير الذي لم ينسَ يومًا جذوره.

رحل عبد القادر بنسليمان عن عمر ناهز 93 عامًا، بعد معاناة مع المرض، مخلفًا وراءه مسارًا ثريًا من العمل الحكومي والدبلوماسي، ومسيرة سياسية وإنسانية شكّلت علامة مضيئة في تاريخ المغرب المعاصر. في جنازته، التي احتضنتها مقبرة الشهداء بالرباط، كان الحضور لافتًا ومعبّرًا، وعلى رأسه النائب البرلماني عن دائرة الرماني – تيفلت، السيد رحو الهيلع، الذي جسّد حضوره رسالة واضحة: الوفاء لا يموت، ورجال الوطن لا يُنسون.

كان بنسليمان، ابن الرماني، من أوائل أبناء منطقة زعير الذين بلغوا أعلى مراتب المسؤولية في الدولة. لم تكن زعير بالنسبة له مجرد منطقة نشأ فيها، بل كانت جوهر نضاله السياسي ومصدر التزامه الوطني. في حضوره، كانت زعير تتحدث، وفي غيابه، تبكيه اليوم بكل فخر وامتنان.

بدأ بنسليمان مساره في دواليب وزارة المالية، حيث تولى بين عامي 1957 و1961 مهامًا دقيقة وحساسة، بداية كملحق بديوان الوزير، ثم نائبًا للمدير، فرئيسًا للمصالح الإدارية، قبل أن يُعيَّن مديرًا للميزانية ومراقبًا ماليًا. مسارٌ لم يكن مجرّد ترقٍ إداري، بل كان تأسيسًا لحضور اقتصادي رصين.

وفي عام 1974، اختاره الملك الراحل الحسن الثاني وزيرًا للتجارة والصناعة والمناجم والملاحة التجارية، ضمن الحكومة الرابعة عشرة برئاسة أحمد عصمان. ثم ما لبث أن عُيّن وزيرًا للمالية خلفًا لبنسالم جسوس، وهو المنصب الذي شغله إلى غاية أكتوبر 1977.

على الصعيد الدبلوماسي، مثّل بنسليمان المغرب في محافل دولية بارزة، بدءًا من سفارة المملكة لدى المجموعة الأوروبية في بروكسل، مرورًا بألمانيا، فالجزائر، وانتهاءً بتونس، حيث تولى مهام سفير المملكة من 1995 إلى غاية 2001، وكان في الوقت ذاته رئيسًا للجنة المكلفة بشؤون المغرب العربي بتونس. لقد كان سفيرًا بملامح رجل دولة، حاملاً لمشروع الوطن حيثما حلّ وارتحل.

بعيدًا عن المناصب، كان عبد القادر بنسليمان رجل تنظيم ومبدأ، وأحد مؤسسي الحزب الوطني الديمقراطي إلى جانب محمد أرسلان الجديدي، موسى السعدي، علي قيوح، خلي هنا ولد رشيد وعبد الله القادري. حزبٌ حاول أن يعيد التوازن إلى المشهد السياسي آنذاك، انطلاقًا من رؤية تنموية تراهن على الكفاءات الوطنية.

الجنازة عرفت حضور البرلماني رحو الهيلع ، الحضور لم يكن مجرد تأدية واجب عزاء، بل كان تكريمًا لرجلٍ عاش من أجل زعير، وكان لسانها الصادق في دهاليز القرار. لقد حمل همّها، ووقف مدافعًا عن قضاياها، وساهم في إشعاعها وطنياً.

رحل عبد القادر بنسليمان، لكن ما تبقى منه هو الإرث الوطني، والذاكرة الجماعية التي تحفظ سيرته بكل اعتزاز. سيذكره أبناء زعير والعاصمة وأصدقاء العمل السياسي والدبلوماسي كأحد أولئك الرجال الذين مرّوا من هنا… فتركوا أثرًا لا يُمحى.