
مولاي عزيز أخواض
شهدت مدينة خريبكة صباح اليوم حدثاً بارزاً في مسار الاستراتيجية الوطنية للماء، تمثل في استقبال أول دفعة من مياه البحر المُحلّاة القادمة من محطة الجرف الأصفر، عبر خط أنابيب يمتد على أكثر من 200 كيلومتر. ويأتي هذا المشروع، الذي تقوده شركة OCP Green Water التابعة لمجموعة OCP، في إطار تحقيق الاستقلالية المائية للمواقع المنجمية والصناعية وتعزيز الأمن المائي الوطني.ا

احتضنت قاعة الأفراح التابعة للمجمع الشريف للفوسفاط بخريبكة عرضاً تقنياً حول كيفية تحلية مياه البحر في محطة الجرف الأصفر، وآليات نقلها نحو الحوض الفوسفاطي بخريبكة. وقدم مسؤولو المشروع توضيحات وبيانات دقيقة بشأن التحديات التقنية، والابتكارات التي رافقت إنجاز هذا المشروع الأول من نوعه في المغرب، والذي يهدف إلى نقل 80 مليون متر مكعب سنوياً من المياه المُحلّاة.وقد حضر اللقاء عدد من المسؤولين يتقدمهم مدير موقع خريبكة للفوسفاط، ومدير المركب المائي الفوسفاطي، إلى جانب أطر مجموعة OCP وشركة JESA الشريكة في التصميم الهندسي للمشروع. كما انتقل الوفد إلى النقطة النهائية لخط الأنابيب لمعاينة لحظة وصول أول دفعة مائية، في مشهد رمزي يُجسد سنوات من التخطيط والعمل الميداني المكثف.

ويأتي هذا الإنجاز في سياق تسريع تنفيذ استراتيجية OCP لتحقيق السيادة المائية عبر مصادر غير تقليدية، وذلك قبل الموعد المقرر بسنتين، حيث كان مقرراً بلوغ الاكتفاء الذاتي المائي سنة 2027، ليتم تحقيقه فعلياً سنة 2025. ويعود الفضل في ذلك إلى مشاريع تحلية المياه ومعالجة المياه العادمة، بالشراكة مع جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، التي ساهمت من خلال مختبراتها في دعم البحث التطبيقي وتحسين الحلول التقنية.ويمثل مشروع الجرف الأصفر – خريبكة نموذجاً رائداً في المغرب، من حيث الحجم، والمسافة، وطبيعة المياه المنقولة، حيث أُنجز خلال 24 شهراً فقط، وخلق أكثر من مليون يوم عمل، أي ما يعادل 1300 فرصة شغل يومياً خلال فترة الإنجاز، بنسبة تشغيل محلي بلغت 85%. كما وفر المشروع 100 منصب شغل دائم، مما ساهم في تحريك الدينامية الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة.

وفي هذا الإطار، يُسجَّل بارتياح كبير الدور المحوري الذي قامت به مديرية موقع خريبكة للفوسفاط، من خلال مواكبتها الدقيقة لمراحل المشروع، وتنسيقها المحكم مع مختلف المتدخلين، بما أتاح تهييء الشروط التقنية والعملية اللازمة لإنجاح هذه الخطوة الاستراتيجية، التي تندرج في صلب التحول الوطني في مجال تعبئة الموارد المائية البديلة.ولا يقتصر هذا المشروع على تلبية الاحتياجات الصناعية، بل يُنظر إليه أيضاً كمرحلة أولى ضمن رؤية أوسع، يُرتقب أن تُمهّد، في إطار التنسيق مع الجهات المختصة، لإمكانية توسيع الاستفادة من المياه المحلاة لتشمل التزويد بالماء الصالح للشرب مستقبلاً، مما يعكس مساهمة مجموعة OCP في دعم الخيارات الوطنية الرامية إلى مواجهة تحديات الإجهاد المائي الذي تشهده البلاد منذ سنة 2018.ويُعد هذا الإنجاز مقدمة لمرحلة جديدة في مشاريع OCP Green Water، من ضمنها مشروع خط آسفي – الكنتور المرتقب سنة 2026، والذي سيُسهم بدوره في تزويد مدن مراكش، ابن جرير، واليوسفية بالماء الصالح للشرب، وفق اتفاقات موقعة مع السلطات العمومية.وتؤكد هذه المشاريع مجتمعة التزام OCP Green Water بتفعيل نموذج دائري ومستدام في تدبير الماء، يقوم على الطاقة الخضراء بنسبة 100%، والبحث العلمي، والشراكات مع مؤسسات وطنية ودولية، من أجل ضمان الأمن المائي الصناعي والمدني في الآن ذاته.ختاماً، فإن وصول أول دفعة من مياه البحر المُحلّاة إلى خريبكة هو محطة مفصلية تؤكد أن المغرب، عبر مؤسساته الوطنية الكبرى، يسير بخطى واثقة نحو تحقيق السيادة المائية، وإعادة رسم خريطة استعمال الموارد الطبيعية، بما يستجيب لمتطلبات التنمية المستدامة ويضمن كرامة العيش للأجيال الحالية والمقبلة.
تعليقات الزوار ( 0 )