نشرة
في خطوة مثيرة للجدل، أصدر كل من حزب التجمع الوطني للأحرار، حزب الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال بيانًا مشتركًا يوجه مستشاريهم المنتخبين بالتصويت لصالح مرشحة حزب الأحرار في الاستحقاقات المقبلة. البيان، الذي تم نشره على منصات التواصل الاجتماعي، أثار العديد من التساؤلات القانونية بشأن مدى شرعيته في ظل القوانين المغربية التي تكفل حرية الإرادة السياسية.
التوجيه الحزبي وتهديدات بالعقوبات
البيان يؤكد على ضرورة تصويت مستشاري الأحزاب الثلاثة لصالح مرشحة حزب الأحرار، مع تهديدات بتطبيق عقوبات تنظيمية ضد المخالفين لهذا التوجيه. هذه الخطوة تطرح تساؤلات حول مدى قانونية فرض هذه الإملاءات على المستشارين المنتخبين، في الوقت الذي يضمن فيه الدستور المغربي حرية الإرادة السياسية للمواطنين، بما في ذلك المنتخبين المحليين.
خرق للمبادئ الديمقراطية والدستور المغربي
من الناحية القانونية، يعتبر هذا البيان انتهاكًا للمبادئ الديمقراطية التي يضمنها الدستور المغربي. تنص الفصل 11 من الدستور المغربي على أن “الانتخابات والاقتراعات الحرة والنزيهة حق وواجب”، ما يفرض على جميع الأطراف احترام حرية التصويت والاختيار الفردي للمنتخبين بعيدًا عن أي ضغوط حزبية أو إملاءات. من خلال توجيه المستشارين بضرورة التصويت لصالح مرشح معين، تتعرض هذه الحرية للتهديد، مما يعتبر خرقًا لمبادئ الديمقراطية التي أقرها الدستور.
الحقوق السياسية للمنتخبين في القانون المغربي
يضمن الفصل 26 من الدستور حق المواطن في التعبير عن رأيه بحرية ودون قيود، ما يخول للمستشارين المنتخبين اتخاذ قراراتهم السياسية بشكل مستقل. إضافة إلى ذلك، تنص القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بالجماعات المحلية على أن المنتخبين، سواء في المجالس الجماعية أو الإقليمية، يتمتعون بحق التصويت وفقًا لقناعاتهم الشخصية بعيدًا عن أي تدخلات حزبية قد تقيّد هذه الحرية.
النشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي: خرق لقانون الصحافة والنشر
من جهة أخرى، نشر البيان عبر منصات التواصل الاجتماعي يثير أيضًا تساؤلات قانونية، حيث يمكن أن يُعتبر خرقًا لقانون الصحافة والنشر المغربي رقم 88.13. هذا القانون يحدد طرق نشر البيانات والتصريحات الرسمية، وينظم الإعلام والتأثير على الرأي العام، خاصة في فترات الانتخابات. نشر بيان يحتوي على تهديدات بالعقوبات ضد المخالفين قد يدخل في خانة ممارسة ضغط غير مشروع على خيارات المستشارين المنتخبين.
الخرق لحرية الحملة الانتخابية
يضمن القانون التنظيمي رقم 11.59.13 المتعلق بالانتخابات مبدأ “الحملة الانتخابية الحرة والنزيهة”، حيث تتيح هذه الفترة لكل مرشح فرصة عرض برنامجه الانتخابي والتواصل مع الناخبين دون تدخلات خارجية. توجيه الأحزاب لمستشاريها بالتصويت لصالح مرشح معين يحد من هذه الحرية ويخلق ضغطًا غير مبرر قد يشوه صورة العملية الانتخابية.
التداعيات القانونية والاجتماعية: الاحتكام للقضاء
من الناحية القانونية، فإن هذا البيان المشترك قد يواجه تحديات قضائية إذا اعتُبر خرقًا لحرية التصويت والاختيار المكفولة بموجب الفصل 11 من الدستور. في حال رفض المستشارون الامتثال لتوجيهات الحزب، قد يتم اللجوء إلى القضاء الإداري للفصل في هذه المسألة، وخاصة فيما يتعلق بتطبيق قانون الأحزاب السياسية الذي ينظم العلاقة بين الأعضاء الحزبيين وحرياتهم السياسية.
من الناحية الاجتماعية، قد يُسهم هذا البيان في إثارة الانقسامات داخل الأحزاب، مع احتمالية اعتراض بعض المستشارين على هذه التعليمات. بالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي هذه الممارسات إلى تشويه صورة الأحزاب أمام الرأي العام، ما يؤثر سلبًا على مصداقيتها في أعين المواطنين.
خاتمة
البيان المشترك بين أحزاب التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، والاستقلال يثير تساؤلات قانونية جادة حول شرعية التدخلات الحزبية في حرية التصويت، ويكشف عن تحديات تواجهها العملية السياسية في المغرب. في ظل هذه التطورات، يبقى السؤال الأهم: هل سيتمكن هؤلاء الأحزاب من تحقيق التنسيق الداخلي دون المساس بمبادئ الحرية والديمقراطية التي يكفلها الدستور المغربي؟
تعليقات الزوار ( 0 )