نشرة -الحسان الغوالي

تشهد منظومة العدالة في المغرب، منذ فترة، سلسلة من الإضرابات التي تقودها هيئة كتابة الضبط. هذه الإضرابات المستمرة تأتي على خلفية مطالب طويلة الأمد لتحسين ظروف العمل والاعتراف بالدور المحوري لهيئة كتابة الضبط في سير العملية القضائية. إلا أن تنفيذ هذه المطالب، الذي يرتبط بشكل وثيق بالأوامر الملكية الصادرة على مدى عقود، لم يتم حتى الآن، مما يزيد من تفاقم الوضع ويهدد بنجاعة القضاء.


إرث المغفور له الملك الحسن الثاني في الإصلاح القضائي:
كان المغفور له الملك الحسن الثاني رحمه الله، أول من ركّز على أهمية إصلاح العدالة وتحديث منظومتها، وخاصة من خلال تحسين وضعية العاملين في القضاء، وعلى رأسهم هيئة كتابة الضبط. ففي افتتاح السنة القضائية لعام 1965، أكد الملك الحسن الثاني على أن تطوير العدالة يعتمد على تحسين بيئة العمل وتحفيز الموارد البشرية التي تسهر على تنفيذ الأحكام والإجراءات. وفي خطاب عيد العرش لعام 1982، شدد على أن “النهوض بمؤسسات القضاء يتطلب الاهتمام بجميع الفاعلين في هذا المجال، وخاصة هيئة كتابة الضبط”، مما يبرز وعيه العميق بأهمية الدور الذي تلعبه هذه الهيئة في استقرار سير العدالة.


التوجيهات الملكية من الملك محمد السادس نصره الله وأيده:
واصل الملك محمد السادس نصره الله وأيده، على نفس النهج في رؤيته لإصلاح العدالة، مؤكدًا في العديد من المناسبات على ضرورة تحسين وضعية هيئة كتابة الضبط كجزء لا يتجزأ من منظومة العدالة. ففي خطاب العرش لعام 2008، أكد جلالته على أن “العدالة تعد ركيزة أساسية لتحقيق التنمية الشاملة”، وشدد على ضرورة تحسين ظروف العمل لكل فئات العاملين في القضاء، بما في ذلك هيئة كتابة الضبط.


وفي خطاب 8 أكتوبر 2010، أعلن الملك محمد السادس عن إطلاق ورش إصلاح العدالة، وهو مشروع تاريخي يهدف إلى إصلاح شامل، حيث ربط جلالته بين تحقيق العدالة النزيهة والفعالة وبين تحسين ظروف العاملين في القطاع القضائي، بما في ذلك موظفو كتابة الضبط. وجاء في خطاب 11 أكتوبر 2013 تشديده على أن “تحقيق العدالة لا يقتصر على القضاة وحدهم، بل يشمل جميع الفاعلين في المنظومة”، وهي إشارة صريحة إلى دور كتابة الضبط.


أثر الإضرابات على سير العدالة وحقوق المتقاضين:
في ظل هذه الإضرابات المتواصلة، باتت منظومة العدالة تعاني من اختلالات كبيرة، حيث تأثرت حقوق المتقاضين وسير الجلسات القضائية. تأخر الجلسات وتراكم القضايا المعلقة يؤدي إلى تعقيد إجراءات التقاضي ويؤثر بشكل مباشر على الأجال الإرشادية للأحكام، مما يهدد حقوق المتقاضين ويضعف ثقة المواطنين في العدالة. ليس المتقاضون وحدهم من يعانون من تأثيرات الإضرابات، بل يمتد التأثير إلى المحامين والمفوضين القضائيين والموثقين والعدول، الذين يجدون أنفسهم في مواجهة تأخر الإجراءات والتأجيلات المستمرة، مما يزيد من العبء على الجميع.


هذا الوضع يخلق تحديات جديدة أمام الحكومة، حيث أن استمرار الإضرابات قد يؤدي إلى تراكم كبير في الملفات القضائية، مما يصعّب من إمكانية تصفيتها مستقبلاً، خاصة إذا طال أمد الأزمة. في ظل هذه الظروف، يصبح من الواضح أن أي حل يقدّم لمعالجة الإضرابات يجب أن يكون جذريًا ومستندًا على تنفيذ الأوامر الملكية التي رسمت خارطة الطريق لتحسين منظومة العدالة.


ضرورة تنفيذ الأوامر الملكية كحل للأزمة:
الأوامر الملكية التي صدرت في خطابات متعددة، سواء من المغفور له الملك الحسن الثاني أو من الملك محمد السادس نصره الله وأيده، وضعت الأساس لإصلاح العدالة وتحسين ظروف العمل داخل المحاكم. هذه التوجيهات الملكية لا تمثل فقط خطة للإصلاح، بل هي التزام يجب على الحكومة أن تفي به لضمان استقرار المنظومة القضائية.


تأتي المطالب الحالية لهيئة كتابة الضبط في سياق هذه التوجيهات الملكية، حيث أن تحسين ظروف العاملين في هذا القطاع ليس فقط مطلبًا فئويًا، بل هو جزء من رؤية ملكية شاملة تهدف إلى تحقيق العدالة النزيهة والفعّالة. على الحكومة أن تدرك أن تجاهل هذه المطالب سيؤدي إلى استمرار الاحتقان داخل المحاكم، وأن الاستجابة السريعة والفورية لهذه المطالب ستكون المفتاح لضمان سير العدالة واستعادة ثقة المواطنين في المؤسسات القضائية.
إن إضرابات هيئة كتابة الضبط لم تعد مجرد وسيلة لتحقيق مطالب مادية، بل أصبحت معركة من أجل تطبيق الأوامر الملكية وتحقيق العدالة الاجتماعية داخل منظومة العدالة نفسها. على الحكومة اليوم أن تتخذ قرارًا شجاعًا بتنفيذ هذه الأوامر، وإلا فإن منظومة العدالة ستبقى تحت وطأة الإضرابات والاختلالات التي قد تعصف بكل الإصلاحات التي تم تنفيذها حتى الآن.