نشرة

بعد توقيف محمد تلموست، المرشح لخلافة الرئيس المعزول أنس البوعناني في رئاسة جماعة القنيطرة، عادت قضية “ضاية رومي” إلى الواجهة مجددا. وتُعد هذه الفضيحة من أخطر القضايا التي أثارت استياءً واسعا في الساحة السياسية بالقنيطرة، حيث طُرحت تساؤلات صادمة حول تجاوزات خطيرة تشير فيها أصابع الاتهام إلى تورط مسؤولين محليين في صفقات ومفاوضات مشبوهة داخل “معتقل انتخابي” بعيد عن الأعين. فكيف بدأت القصة، ومن يقف وراء هذه التسريبات التي كشفت المستور؟ ما هي تفاصيل اللقاءات السرية، وما الذي جرى في “ضاية رومي” بعيدا عن الرقابة؟ وهل سيتم الكشف عن كافة الحقائق، أم ستظل هذه الفضيحة طي الكتمان؟

اندلعت القصة في نونبر 2023، عندما فجر الصحافي محمد اليوبي من جريدة “الأخبار” فضيحة من العيار الثقيل، بعد نشره تدوينة على فيسبوك كشف فيها عن اطلاعه على فيديوهات مسربة تظهر مجموعة من المستشارين داخل غرفة في فندق بمنطقة “ضاية رومي” بإقليم الخميسات. ووفقاً لما كتبه اليوبي، فإن التسجيلات التي التُقطت خلسة تعود إلى سنة 2021، حيث تُظهر عملية تفاوض حول رئاسة جماعة القنيطرة بين المرشح أنس البوعناني وبعض أعضاء المجلس بخصوص تشكيل التحالف الأغلبي. وتضمنت هذه المفاوضات، حسب التسجيلات، اتفاقات سرية بشأن منح مناصب داخل المجلس مقابل مبالغ مالية أو امتيازات أخرى، مما أثار استياءً واسعاً واعتبره البعض بمثابة “بيع وشراء” للمناصب.

وجاء في تدوينة اليوبي “اطلعت على فيديوهات صادمة لمستشارين بإحدى جماعات إقليم القنيطرة يعرضون أنفسهم للبيع بطريقة مذلة مقابل مناصب أو مبالغ مالية. الفيديوهات مسجلة بغرفة أحد الفنادق، ويظهر فيها شخص يرتدي قبعة سوداء، ربما هو الرئيس، يتفاوض مع المستشارين الذين كانوا يتناوبون على الدخول إلى الغرفة واحدا تلو الآخر للحصول على حصتهم من الغنيمة. ويبقى السؤال المطروح: من صور تلك الفيديوهات عبر كاميرا مثبتة فوق السرير الذي كان ينام عليه الرئيس؟. بلغني أن هناك تحقيقا من الجهات المختصة للتأكد من صحة هذه الفيديوهات البالغ عددها حوالي 90 فيديو، وفي انتظار ذلك، سأوافيكم بكل التفاصيل.”

سكرين التدوينة 1

وما زاد من تعقيد القضية هو التدوينات التي نشرها الصحافي محمد اليوبي في 19 أبريل 2024، حيث أرفق سكرينات من فيديوهات على شكل صور بتعليقات ساخرة لاذعة. في التدوينة الأولى، استنكر اليوبي الطريقة التي تم بها تصوير الفيديوهات، وطالب بتوضيح من المسؤول عن هذه التسريبات. جاءت كالتالي “الرئيس المعلوم لجماعة بإقليم القنيطرة يشكك في مصداقية الصورة المنشورة في تدوينة سابقة. أيوا سول صاحب الدراعية الزرقاء لي كان في الفندق المعلوم بنواحي الخميسات، هل هذه الصورة صحيحة؟ ولماذا كان يدخل أعضاء الأغلبية واحدا تلو الآخر إلى هذه الغرفة، وأنت تسجلهم بالصوت والصورة لكل تفاصيل عملية ‘التفاوض’؟ لي كلا الدلاح غادي يحط الزريعة…..”

سكرين التدوينة 2

أما في التدوينة الثانية، من نفس اليوم، فقد وصف اليوبي التسجيلات بأنها أداة تهديد من الرئيس إلى أعضاء مجلسه، حيث دون أن “لقطة ملتقطة من أشرطة سجلها رئيس مجلس جماعي بإقليم القنيطرة حول مفاوضاته لتشكيل مكتب المجلس داخل غرفة بأحد الفنادق بإقليم الخميسات. الرئيس يهدد أعضاء أغلبيته بهذه التسجيلات، لأنهم في كرشهم العجينة والله أعلم…”

سكرين التدوينة 3

لم تمر القضية مرور الكرام، إذ طالب عدد من مستشاري المجلس الجماعي، في دورات المجلس وأمام باشا المدينة والمسؤولين المحليين، بفتح تحقيق رسمي حول هذه التسريبات. وكان من بين هؤلاء المستشار عبد الله امبيريك، الذي طالب بمحاسبة كل من كان وراء تصوير هذه الفيديوهات، وأعلن عن عزمه تقديم شكوى ضد المتورطين في تصويره دون علمه. كما شدد على ضرورة فتح تحقيق شفاف وكشف التفاصيل المتعلقة بهذه القضية التي تمس سمعة المجلس وأعضاءه على حد سواء.

أما على الصعيد المحلي، فقد أثارت القضية موجة من الغضب بين ساكنة القنيطرة، الذين اعتبروا أن هذا النوع من التصرفات يعكس تدنيا في مستوى المسؤولين المحليين، ويظهر كيف يمكن استخدام المناصب السياسية لتحقيق مصالح شخصية ضيقة.

وفي الوقت الذي ينتظر فيه فتح تحقيق رسمي من قبل النيابة العامة، تواصل الصحافة المحلية والمتابعون السياسيون تسليط الضوء على هذه الفضيحة التي ألقت بظلالها على القنيطرة، وأثارت القلق حول الوضع السياسي في المدينة.

وفي نفس السياق، نشر حاتم بكار، مستشار جماعي بالقنيطرة ومحامٍ بهيئة القنيطرة، تعليقا ساخرا على صفحته في الفيسبوك، حيث استخدم لغة هجومية وساخرة للتعليق على الفضيحة التي هزّت الرأي العام في المدينة. وقال بكار في تدوينته التي نشرها في 13 نونبر 2024، أي تقريبا سنة بعد انفجار هذه الفضيحة دون فتح تحقيق لحد الساعة: “في إطار تشجيع السياحة الإيكولوجية، أعرّفكم بضاية الرومي، منتجع سياحي وسط طبيعة خلابة وهدوء منقطع النظير، هواء نقي ولك أن تفعل فيه ما شئت، إنك فيه من العتقاء الأحرار”.

وفي نفس التدوينة، أضاف ساخرا: “من أجمل مميزاته التي تتجاوز روعة الطبيعة، عدم خضوعه لأي اختصاص قضائي أو رقابة لأي نيابة عامة كانت، فهو يتحدى الطبيعة ولك أن تفعل فيه ما شئت واخا تخرج فالجورنان!!!”. تعليق حاتم بكار يعكس الاستياء من التراخي في مراقبة مثل هذه الممارسات التي تتسبب في تشويه سمعة المؤسسات المحلية.

سكرين التدوينة 4

قضية “ضاية رومي” ليست مجرد فضيحة سياسية تتعلق بممارسات فاسدة، بل هي أيضا دعوة للمسؤولين في القنيطرة وفي باقي المدن المغربية للتحلي بالمزيد من الشفافية والنزاهة. حيث أصبح واضحا أن بعض الأشخاص في السلطة لا يترددون في استغلال مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة.

فضيحة “ضاية رومي” تظل مفتوحة على العديد من الاحتمالات، والرهانات كبيرة على السلطات القضائية والمحلية في القنيطرة لكشف الحقيقة وراء هذه الفضيحة. ومع تصاعد الدعوات لفتح تحقيقات مستقلة وشفافة، يأمل العديد من سكان المدينة والمراقبين السياسيين في أن تؤدي هذه القضية إلى محاسبة المسؤولين عن الفساد، وتحقيق العدالة لجميع الأطراف المعنية.