✍️ أ. محمد حسين : أخصائي أمراض نفسية (مصر العربية)
الشغف هو المحرك الأساسي لنا هو الذي يعطينا الرغبة والقدرة والحماس على مواجهة الحياة والإحساس بمتعتها وتخطي مشاكلها، وهو السر وراء الشعور بالسعادة والسعي لها والحافز وراء العمل والاجتهاد، ولكن ماذا لو وصلنا إلى مرحلة فقدنا فيها هذا الشغف وكيف سيؤثر ذلك على حياتنا؟ وما معنى فقدان الشغف، وما هي أسبابه وعلاماته وآثاره على نفسية الفرد، وكيف يمكن علاجه؟ هذا ما سنتحدث عنه في هذه المقالة.
معنى فقدان الشغف
إن الشغف هو الرغبة القوية لعمل شيء تحبه والعزم على تحقيقه فهو الدافع الذي يملئك طاقة وحماس ويدفعك للعمل والإنجاز مع يقين بالنجاح والوصول إلى الهدف، وقد يكون هذا الشغف بهواية معينة كالرسم والعزف أو إحدى الرياضات أو قد يكون بالسفر حول العالم أو التفوق الدراسي، ولكن قد تطرأ على الشخص ظروف صعبة تجعله يفقد هذه الطاقة وهذا الحماس وهو ما يعرف بمرحلة فقدان الشغف.
مرحلة فقدان الشغف Passion Loss هي مرحلة صعبة تشعر بها أنك مرهق ومتعب وبأنك غير قادر على إكمال الطريق والعمل على تحقيق حلمك فتبدأ حالة الفتور والملل وعدم القدرة على إعادة الحماس والاندفاع نحو الهدف وفقدان الاهتمام بالأنشطة التي كانت تشكل مصدر سعادة لك، هذا الإحساس يمر به كل شخص مرة على الأقل في حياته وهي مرحلة صعبة وخطيرة وتفاصيلها كثيرة وتسمى في علم النفس نقصان الدافعية.
ما هي أسباب فقدان الشغف؟
عند الحديث عن مرحلة فقدان الشغف لا يمكن حصر أسبابه بعامل أو مسبب محدد وواضح، فهو نتيجة لأسباب متراكمة تتجمع مع الوقت وتجعل الشخص غير مهتم بكل ما يحيط به ولا يوجد لديه أي دافع للاستمرار، فما الذي يحول الشخص من شحنة طاقة وعمل وإنجاز إلى شخص فاقد شغفه وغير قادر على الاستمرار في محاولاته؟[2]
اليأس والإحباط:
ينتج الإحباط عادة عن تكرار المحاولات الفاشلة والتي تقلل من ثقة الشخص بنفسه وتجعله يشعر بأنه إنسان فاشل لن يحقق شغفه مهما حاول أو قد ينتج عن ارتفاع سقف التوقعات حيث تكون التوقعات غير واقعية ومنطقية مما يسبب الشعور بالإحباط وفقدان الشغف.
الرغبة بالوصول السريع:
قد يكون الهدف المراد الوصول إليه يحتاج إلى وقت طويل ونتائجه بعيدة، فمثلاً إذا كان شغفك احتراف العزف على آلة موسيقية فذلك يأخذ وقت طويل نسبياً وتمرين متواصل على الآلة مما يجعل بعض الأشخاص يشعرون بالملل سريعاً ويفقدون الرغبة في الاستمرار.
الروتين الممل:
يعتبر الروتين اليومي أحد الأسباب التي تؤدي إلى قتل الشغف فالقيام بنفس الأعمال يومياً ورؤية نفس الأشخاص يؤدي إلى الشعور بالملل والسأم وفقدان الحماس والدافع.
عدم وجود هدف محدد وواضح:
قد تكون المشكلة في الهدف نفسه فإذا كان الهدف غير واضح فيؤدي ذلك إلى عدم قدرة الشخص على تتبع انجازاته والتقدم الذي يقوم به مما يصيبه بالإحباط وفقدان الشغف.
فقدان المحفز الرئيسي:
المحفز هو الشيء الذي يدفعنا للاندفاع لتحقيق شغفنا وبدونه تصبح هذه الأهداف مجرد أحلام نتمنى أن تتحقق، عندما نفقد هذا الحافز نفقد الرغبة والشغف في الاستمرار فمثلاً يتسبب وفاة شخص عزيز في فقدان الشغف، حيث يمكن أن تكون الرغبة في إسعاده هو الحافز للعمل والوصول إلى الأهداف وغياب هذا المحفز الرئيسي يؤدي للشعور بعدم الفائدة من الاستمرار.
المقارنة بشخص آخر:
من الممكن أن يتسبب مقارنة الشخص نفسه بالآخرين في شعوره بالفشل وبأنهم يصلون إلى تحقيق شغفهم وهو لم يصل بعد مما يقلل من ثقته بنفسه ويشعره بالإحباط، قد تساهم مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير في الشعور بالإحباط خاصة وأنها تظهر الجانب الإيجابي وغالباً غير الواقعي من حياة بعض الأشخاص مما يسبب الشعور باليأس وفقدان الشغف.
الشعور بالإرهاق:
قد يتعرض الشخص خلال محاولته الوصول إلى شغفه للعديد من الظروف الصعبة سواء الأسرية أو المهنية أو الدراسية أو الصحية أو العاطفية والتي تستهلك طاقته وترهقه وتقلل من حماسه وتقتل شغفه.
إدراك أن الشيء الذي تسعى إليه لم يعد شغفك:
قد تصل إلى مرحلة تدرك فيها أنك أخطأت في تحديد شغفك وأنك ترغب في الوصول إلى هدف آخر وهذا الشيء طبيعي فالنفس البشرية متقلبة، ولكن تقع المشكلة عندما تقطع مسافة طويلة في رحلتك الأولى وتفاجئ بأنه ليس هذا ما تبحث عنه الأمر الذي قد يتسبب في انطفاء رغبتك وشغفك في كل شيء.
علامات فقدان الشغف بالحياة
لفقدان الشغف علامات تظهر على الشخص وتدل عليه وهي تشبه إلى حد ما أعراض الاكتئاب، ومن أبرز العلامات التي تدل على الدخول في هذه المرحلة:
التفكير بشكل تشاؤمي:
التفكير التشاؤمي أحد علامات فقدان الشغف حيث يصبح الشخص غير متأكد من قدرته على الوصول لشغفه وبأنه لا فائدة من الاستمرار ولن يتغير شيء حتى بعد وصوله وأن الحياة سيئة لا تستحق أن تحارب من أجلها.
القلق المستمر:
القلق المستمر من أعراض فقدان الشغف حيث ينتج هذا القلق عن الشعور بالإحباط وعدم الثقة بالنفس والشعور بأنه شخص فاشل لن يستطيع الوصول لشغفه.
عدم الرغبة بالقيام بشيء:
في بعض الحالات عندما تفقد شغفك تشعر بعدم الرغبة في القيام بشيء حتى أنك تشعر بعدم الرغبة في مغادرة سريرك، لا ترغب بالعمل ولا الدراسة، لا ترغب بالتحدث مع الآخرين أو التواصل مع أي أحد.
الملل:
من علامات فقدان الشغف الشعور الدائم بالملل تصبح جميع الأعمال التي كانت تشكل جزءً من شغفك مملة حتى أنها غير مثيرة بالنسبة لك وتفقد اهتمامك بها وحماسك تجاهها.
الندم:
الشعور الدائم بالندم على أنك بدأت هذا الطريق ولم تختر طريق آخر وبأنك أضعت بعض الفرص الذهبية في حياتك من أجل شغفك هو أحد علامات فقدان الشغف.
الخلافات مع المحيط:
الشعور الدائم بالقلق والملل وعدم الرغبة بالقيام بأي عمل يمكن أن يؤدي إلى التصادم مع المحيط وكثرة الخلافات مع الأشخاص المقربين وخاصة الشريك والوالدين وذلك يمكن أن يكون علامة على فقدان الشغف.
الأرق:
قد يسبب القلق ومشاعر الندم والضياع والتفكير الزائد بالأسباب التي أدت إلى عدم القدرة على تحقيق الهدف مشاكل في النوم وبالتالي من الممكن أن يكون الأرق أحد علامات فقدان الشغف.
الفرق بين فقدان الشغف والاكتئاب
هل فقدان الشغف أسوأ من الاكتئاب؟
كثيراً ما تجتمع أعراض وأسباب فقدان الشغف والاكتئاب وقد يظن البعض أن المصطلحين لا يختلفان عن بعضهما ولكن هذا الشيء غير صحيح، وهنا نقدم بعض المعلومات حول الفرق بين فقدان الشغف والاكتئاب:
الأعراض المتشابهة: توجد الكثير من الأعراض المتشابهة بين الاكتئاب وفقدان الشغف وخاصة الرغبة في الانعزال والملل والتفكير التشاؤمي وتشتت الانتباه والأرق.
قد يكون فقدان الشغف عرضاً للاكتئاب: فقدان الشغف والاكتئاب ليسا شيئاً واحداً فهما يختلفان في الأسباب وطرق العلاج، ولكن يمكن أن يكون فقدان الشغف أحد أعراض الاكتئاب.
فقدان الشغف ليس اضطراب عقلي أو نفسي: يعتبر الاكتئاب اضطراب نفسي أما فقدان الشغف هو مرحلة طبيعية يمر بها كل شخص في حياته نتيجة الظروف والضغوط والعقبات التي يواجهها في حياته ويمكن تداركها.
فقدان الشغف لا يخضع للعلاج الطبي: يخضع مريض الاكتئاب إلى العلاجات الدوائية النفسية أما فقدان الشغف فلا يحتاج إلى أدوية لعلاجه بل إلى بعض النصائح البسيطة التي تساعد في زيادة الثقة بالنفس واستعادة الشغف.
فقدان الشغف أسوأ من الاكتئاب: فقد يكون الاكتئاب مصدر للإبداع في بعض الحالات، حيث يفجر الإلهام ويدفعه للتعبير عن هذا الاكتئاب بطرق إبداعية في الكتابة أو الشعر أو النحت والتعبير عن هذا الاضطراب بشكل فني، أما فقدان الشغف فهو انتحار فعلي حيث تشعر أنك فارغ من الداخل ومنطفئ غير قادر على التفكير وغير راغب في القيام بأي شيء بالإضافة لأن الاكتئاب حالة مؤقتة قابلة للعلاج بانتهاء مسببه أو أخذ جرعة تفاؤل أو تحسن الظروف.
الآثار النفسية لفقدان الشغف
قد يتسبب فقدان الشغف في العديد من الآثار النفسية على الشخص وقد يجمع بين واحد أو أكثر منها: []
العصبية: يمكن أن يؤدي فقدان الشغف والشعور بالفشل إلى انفعال الشخص وجعله شخصاً عصبياً يتأثر بأي شيء وذو ردود أفعال حادة وغير متوقعة.
الحقد: عندما يفقد الشخص الشغف من الممكن أن يصبح حقوداً حيث يتمنى أن يفشل الجميع من حوله لكي يشعر بأنه ليس الفاشل الوحيد.
لا مبالي: من الممكن أن يتسبب فقدان الشغف في الشعور باللامبالاة تجاه أي شيء فلا يشعر بالسعادة أو الحزن أو الحماس أو الندم على أي شيء ويصبح مجرداً من المشاعر.
عدم القدرة على اتخاذ قرار: الشخص الذي فقد شغفه قد يجد صعوبة في اتخاذ القرارات في حياته وذلك لعدم ثقته بهذه القرارات إذا ما كانت صحيحة أم لا.
الرغبة بالعزلة: قد يصل الشخص الذي فقد شغفه إلى مرحلة يرغب فيها باعتزال العالم من حوله خوفاً من نظرة المجتمع له بأنه إنسان فاشل عجز عن تحقيق هدفه.
التفكير بالانتحار: عندما يكون فقدان الشغف ناتج عن الاكتئاب وعند تطور الحالة دون القيام بعلاجها فقد يؤدي ذلك أن يشعر الشخص في الرغبة بإنهاء حياته والتفكير بالانتحار وهو أخطر آثار فقدان الشغف الناتج عن الاكتئاب.
علاج فقدان الشغف في الحياة
كثيراً ما يتم التساؤل فيما إذا كان من الممكن استعادة الشغف من جديد بعد فقدانه، والإجابة هي أنه بالتأكيد يمكن استعادته فمرحلة فقدان الشغف مرحلة مؤقتة يمكن التخلص منها باتباع النصائح التالية:
حدد شغفك بشكل واضح:
حاول أن تعرف ما هو شغفك الحقيقي فالسعادة مثلاً بحد ذاتها لا يمكن أن تحدد كهدف ولا يمكن أن تترجم كخطوات عملية يمكن إنجازها لذلك حاول أن يكون شغفك عملي يمكن تحقيقه.
اتخاذ خطوات صغيرة:
يمكن أن يكون الهدف الذي تسعى الوصول إليه صعب ويحتاج إلى وقت طويل لتحقيقه مما يسبب لك الشعور بالبرود والفتور وفقدان الشغف، ولكن يمكن علاج هذه المشكلة من خلال تقسيم الهدف إلى خطوات يتم العمل عليها بشكل يومي فذلك يقلل من الشعور بصعوبة الهدف ويساعدك في الخروج من حالة فقدان الشغف والعودة للإنجاز من جديد.
القراءة في كتب تطوير الذات:
يمكن أن تساعد كتب تطوير الذات في الخروج من مرحلة فقدان الشغف واستعادة الثقة بالنفس كما أن لبعض الروايات أثر كبير في الدفع نحو السعي لتحقيق أحلامك، وخاصة ما يعطي التفاؤل منها.
استخدام الأجندات:
يمكن أن يساعد استخدام البلانر في استعادة الحماس للاستمرار والتخطيط من جديد والانطلاق نحو شغفك، حيث يساهم البلانر في تنظيم يومك وحياتك وهدفك بصورة أفضل.
الحصول على قسط كافي من الراحة:
يحتاج الجسم والعقل كل فترة لأخذ استراحة وذلك لاستعادة نشاطه وحماسه، خذ إجازة من عملك واقض بعض الوقت في الاسترخاء، يمكن لجلسات التدليك أن يكون لها تأثير إيجابي وأن تساعد في تصفية الذهن والعودة لتحقيق أهدافك بشغف.
تنظيم مواعيد النوم:
إذا نظمت مواعيد نومك فقد قطعت شوطاً كبيراً في تنظيم يومك وحياتك ومعرفة أكثر الساعات التي تكون فيها نشيطاً وقادراً على الإنجاز والساعات التي تشعر فيها بالفتور فتقوم باستغلالها للترويح عن نفسك واستعادة نشاطك.
البحث عن الأشخاص الإيجابين:
إحاطة الفرد نفسه بأشخاص إيجابين وطموحين يساعد في تحفيزه على الاستمرار وعدم الاستسلام وتخطي الظروف الصعبة واستعادة الشغف من جديد.
كسر الروتين:
يمكن استعادة شغفك من خلال كسر الروتين اليومي الممل، حاول القيام بأشياء جديدة ومسلية والقيام ببعض المغامرات مع أشخاص مقربين ومرحين يمكن لذلك أن يعيد لك نشاطك وطاقتك لاستئناف رحلتك نحو أهدافك.
تصالح مع نفسك:
إن توقفك عن الإنجاز وارتكابك بعض الأخطاء لا يعني أنك فاشل فتوقف عن لوم نفسك وحاول أن تتصالح معها وحارب من جديد للوصول إلى شغفك.
ممارسة الرياضة:
تساعد ممارسة الرياضة في استعادة النشاط الجسدي والصفاء الذهني وخاصة اليوغا فهي تخلص من الطاقة السلبية وتعيد الحماس والشغف لحياتك.
استشارة طبيب نفسي:
إذا شعرت بأعراض خطيرة كالرغبة في الانتحار وإنهاء حياتك أو عزل نفسك أو أصبحت أكثر عصبية فهذه لا تعتبر من أعراض فقدان الشغف بل من أعراض الاكتئاب لذا ينصح باستشارة أخصائي نفسي لعلاج هذه الأعراض قبل أن تتفاقم.
تعليقات الزوار ( 0 )