مع اقتراب انتخابات 2026، تبرز أهمية إصلاح المنظومة الانتخابية كضرورة وطنية، لضمان نزاهة العملية الديمقراطية وفعاليتها. وقد عرف المغرب خلال العقدين الماضيين مجموعة من الإصلاحات التشريعية شملت القانون التنظيمي للأحزاب السياسية، والقوانين المنظمة للانتخابات المحلية والبرلمانية، والقوانين المتعلقة باللوائح الانتخابية ومدونة الانتخابات، بالإضافة إلى المراسيم والقرارات التنظيمية. غير أن هذه الإصلاحات غالباً ما كانت تُطرح في لحظات متأخرة، ضيقة الأفق العمومي، مما يحرم النقاش الوطني من فرصته لتقعيد قواعد قانونية رصينة تجيب عن الإشكالات العميقة للممارسة العملية.
إن تحصين العملية الانتخابية من المال وتشجيع المشاركة وتحفيز الشباب والنساء والكفاءات، لن يتحقق دون تعديل التقطيع الانتخابي وابتكار تدابير استثنائية ومؤقتة تضمن تكافؤ الفرص، مثل تخصيص دوائر محلية للشباب والنساء، أو منح تمويل إضافي للأحزاب التي ترشح وجوهاً جديدة وكفاءات نزيهة، بما يتماشى مع روح الدستور المغربي والتوجيهات الملكية السامية لتعزيز الديمقراطية والمشاركة المواطنة.
وفي هذا الإطار، يظل التحصين الميداني للعملية الانتخابية شرطاً لا غنى عنه لضمان نزاهة الاقتراع. فغياب الانضباط أو انتشار مظاهر البلطجة يوم الانتخابات يفرغ المسار الديمقراطي من محتواه. ومن هنا، يتعين على مؤسسات الدولة التشديد على تفعيل لجان يقظة ميدانية تضم النيابة العامة، والأمن الوطني، والدرك الملكي، والسلطات المحلية، وأعوان السلطة، لتأمين سير العملية في كل أطوارها، من فتح المكاتب إلى إعلان النتائج، بما يعزز ثقة المواطن في أن صوته محمي وأن إرادته مصونة.
إن معضلة استعمال المال لشراء الأصوات واستغلال هشاشة الفقراء ليست مجرد مخالفة انتخابية، بل جريمة في حق الوطن، لأنها تحافظ على منظومة سياسية عاجزة عن التجديد والإبداع، حيث لا تزال بعض وجوه خريبكة عمرت لسنوات دون أن تترك أثراً تنموياً ملموساً، مستفيدة من نفوذها المالي والسياسي لتثبيت نفسها في البرلمان والمجالس المحلية.
لقد آن الأوان لوضع استراتيجية وطنية جريئة تمنع هذه الوجوه القديمة، التي لم تخلّف أي أثر تنموي، من إعادة ترشيح نفسها أو التحكم في القرار المحلي. فهذه الفئة لا تكتفي بشراء الأصوات، بل تلجأ إلى أساليب البلطجة، وتمسك بخيوط السلطة من خلف الستار، مانعة أي تغيير حقيقي أو تداول ديمقراطي. وخريبكة، بكل أسف، تمثل نموذجاً صارخاً لسوء التسيير، حيث تراكم الفشل وتراجع المؤشرات التنموية رغم الإمكانيات المتاحة.
إن مواجهة هذه الممارسات ليست مجرد تحدٍ محلي، بل معركة وطنية ودولية؛ فكما يراقب العالم جودة ملاعبنا ومنشآتنا استعداداً لكأس العالم 2030، فإنه سيراقب كذلك مدى نزاهة مؤسساتنا الانتخابية وقدرتها على إفراز نخب سياسية حقيقية، قائمة على الكفاءة والنزاهة، لا على المال والامتيازات.
كما أن الإصلاح الانتخابي لا ينفصل عن الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تعزز دولة الحق والقانون. فمشروع قانون المالية لسنة 2026، وفق التعليمات الملكية السامية بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد، يؤكد التزام الدولة بالعدالة المجالية، وتعزيز الإقلاع الاقتصادي، وتحقيق النمو المستدام، من خلال برامج استثمارية كبری في النقل، الطاقات المتجددة، الصناعة، والخدمات الرقمية، إلى جانب التنمية البشرية عبر التربية، التكوين، التعليم العالي، والتغطية الاجتماعية، وتحسين العرض الصحي، والولوج إلى السكن.
إن هذه الرؤية المتكاملة، بين الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، تجعل من الانتخابات القادمة فرصة لإعادة الثقة في المؤسسات، وتجديد النخب، وضمان أن يصبح صوت المواطن أداة تغيير حقيقية، لا سلعة تباع وتشترى، مع التركيز على جعل خريبكة نموذجاً انتخابياً يُحتذى به، يعكس التزام المملكة بالنزاهة، والمصداقية، وتكريس الديمقراطية الحقيقية، استعداداً لمرحلة تاريخية تشمل تنظيم كأس العالم 2030 واستمرار المغرب في تعزيز مكانته الدولية والاقتصادية والاجتماعية.
موقع إخباري متجدد