الأحد 27 يوليو 2025 12:47 مساءً

مأزق التقدير في جامعة ابن طفيل: من يكرّم؟ ومن يُهمل؟

نشرة – الرباط

 

في مشهد يختزل اختلالات عميقة تعيشها الجامعة المغربية، تحوَّل حفل تخرج طلبة المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بجامعة ابن طفيل إلى مناسبة كشفت حجم المفارقات الصارخة التي تسائل جوهر الرسالة الجامعية اليوم. ففي الوقت الذي يُفترض فيه أن يكون الحفل لحظة تكريم للعلم والمعرفة والاجتهاد، تسلل منطق الاستعراض والفرجة إلى فضاء أكاديمي من المفروض أن تحكمه القيم والرصانة.

 

المغني والراقصة ينالان أجرهما كاملاً قبل اعتلائهما المنصة، في حين لا يزال أساتذة باحثون، ساهموا لسنوات في التأطير والبناء الأكاديمي، ينتظرون مستحقاتهم عن مهام علمية وبيداغوجية أُنجزت منذ أكثر من أربع سنوات. كيف يمكن للجامعة أن تبرّر هذا العبث في ترتيب الأولويات؟ وما الرسائل التي تُبعث إلى الطلبة، حين يرون أن من يرقص على الخشبة يُكافأ، ومن ينحت في عقولهم مفاهيم وتصورات يُهمّش ويُهان؟

 

إن ما جرى ليس مجرد “هفوة تنظيمية” كما تحاول بعض الجهات تقديمه، بل هو تجلٍّ لانزلاق خطير في فهم دور الجامعة كمؤسسة حاضنة للعلم، وليست منصة للعروض الرخيصة. الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، في بلاغها، وضعت الأصبع على الجرح، مؤكدة أن الجامعة ليست فضاءً للابتذال، بل مؤسسة رسالتها تكوين النخب، وترسيخ القيم، ورفع منسوب الوعي المجتمعي.

 

لكن الرد الصادر عن الجمعية المنظمة للحفل بدا أقرب إلى تبرير فجّ، يزيد من تعميق الشعور بالإهانة، بدل أن يعتذر عن سقطة لا تليق بالمكان ولا بالرمزية. حين يُجمَّد راتب أستاذ جامعي لسنوات، ويُصرف في الآن ذاته تعويض لفنان على عرض قصير، فإن ذلك لا يعكس فقط خللًا إداريًا، بل انهيارًا أخلاقيًا في المنظومة الجامعية.

 

نحن اليوم أمام لحظة تستدعي الوقوف الجاد أمام مرآة الذات. هل هذه هي الجامعة التي نريدها؟ وهل ما وقع مجرد صدفة أم نتيجة منطق يسكن التدبير العام للمؤسسات؟ لا يتعلق الأمر بمحاسبة مسؤول عن تنظيم حفل، بل بإعادة الاعتبار لمكانة الجامعة، وكرامة الأستاذ، وهيبة المعرفة.

 

إن الجامعة لا تنهض بمنصات الرقص، بل بمنابر الفكر. والمجتمع الذي يهمّش مثقفيه ويُعلي من شأن الراقصين، يختار طواعية الانحدار. والجامعة التي تفقد بوصلة الأولويات، لن تُخرِّج قادة، بل أشباه نخب، تربّت على التصفيق لا التفكير.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

النشرة الإخبارية

اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدتنا، لتصلك آخر الأخبار يوميا

حمل تطبيق نشرة

من نحن؟

جريدة رقمية مستقلة، تهدف إلى تقديم محتوى خبري وتحليلي موثوق، يعكس الواقع بموضوعية ويواكب تطورات المجتمع. نلتزم بالشفافية والمهنية في نقل الأحداث، ونسعى لأن نكون منصة إعلامية قريبة من القارئ، تعبّر عن صوته وتلبي اهتماماته.

error: المحتوى محمي !!