✍️ عبدالله محمد ( طبيب أسنان )
تقول الشبهة : لقد ادعى نبيكم أن المرأة أقل ذكاءً وديناً من الرجل فقال أنها ناقصة عقلٍ ودين ولا يمكن لخالق الكون أن يسئ للمرأة في دينه بهذا الشكل
الرد
ملحوظة : يمكنكم الإكتفاء بقراءة الرد المجمل
أولاً الرد المجمل :
١. الحديث نفسه قد وضح معنى ناقصات عقل ألا وهو أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل وليس معناه أنها أقل ذكاءً
٢.النصوص الإسلامية توضح أن المرأة مساوية للرجل في الطاقة العقلية ( الذكاء) لذلك فهي مكلفة بنفس التكليفات
٣.الإستثناء في تكليفات المرأة راجع إلى استثناءاتها البدنية مثل الحيض والحمل والرضاعة وليس ذكائها
٤.شهادة المرأة نصف شهادة الرجل في الأمور المادية فقط وذلك حسب الآية لأن طبيعة المرأة بعيدة عن أحوال التجارة، بعيدة عن البيع و الشراء، بعيدة عن أحوال السوق و مضارباته. المرأة في الغالب بعيدة عن هذه الأمور؛ فلا تذكر تفاصيلها إذا حضرتها، فمن رحمة الإسلام بها أن انضمت لها شهادة امرأة أخرى حتى تذكرها إذا نسيت وهذا لا يمنع أن بعض النساء يكن ذوات خبرة بالعقود المالية ولكن حين تنزل الأحكام ، تنزل قياساً على الأكثر لا على الأقل او الإستثناء.
٥. هناك حالات تكون فيها شهادة المرأة تبطل شهادة الرجل وحالات أخرى تكون مساوية للرجل (انظر التفصيل في هذا المقال)

ثانياً الرد المفصل :
أولا نستعرض معكم الحديث دون اقتطاع :
قال رسول الله ﷺ : ” ما رَأَيْتُ مِن ناقِصاتِ عَقْلٍ ودِينٍ أغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ فَقالتِ امْرَأَةٌ منهنَّ جَزْلَةٌ: يا رَسولَ اللهِ، وما نُقْصانُ العَقْلِ والدِّينِ؟ قالَ: أمَّا نُقْصانُ العَقْلِ: فَشَهادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهادَةَ رَجُلٍ فَهذا نُقْصانُ العَقْلِ، وتَمْكُثُ اللَّيالِيَ ما تُصَلِّي، وتُفْطِرُ في رَمَضانَ فَهذا نُقْصانُ الدِّينِ. “

فقالوا إن المرأة أقل ذكاءً وفقاً لهذا الحديث لأنه قال أنها ناقصة عقل.
ولكننا نجد أن الحديث نفسه قد أجاب عن الشبهة فذكر لنا أن معنى نقصان العقل هو أن شهادة المرأة تعدل نصف شهادة الرجل وليس معناه أنها أقل ذكاءً من الرجل ، بمعنى أبسط يمكننا أن نستبدل جملة “ناقصات عقل” بجملة “شهادة المرأة تعدل نصف شهادة الرجل” ولا ذكر لمعدل الذكاء هنا لا من قريب ولا من بعيد.
و سنعرض الآن نصوصاً تؤكد على أن المرأة حسب النظرة الإسلامية مكافئةٌ للرجل في معدل ذكائها :
١. المساواة بين الرجل والمرأة في طلب العلم وهذا يدل على المساواة بينهما في الذكاء حيث جاءت نصوص الحث على طلب العلم بالصيغة المطلقة وفي علوم التفسير اذا كان اللفظ مطلقا فإن المخاطب به الرجال والنساء على السواء إلا بدليل أو قرينة صارفة ، ومن هذه النصوص :
قول رسول الله ﷺ : ” من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ” (صحيح البخاري)
وقوله ﷺ : ” من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يعلّمه ؛ كان بمنزلة المجاهد في سبيل الله ” ( رواه الحاكم بسند صحيح)
وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من أبرز فقهاء الإسلام وظهر بعدها فقيهات أخذن العلم عن أهله وبذلنه لمن يطلبه
*** فلم يميز التشريع الإسلامي في التكليف بين الرجل والمرأة تبعاً للذكاء وإنما الأصل هو الإشتراك في التكاليف الشرعية وما اختلفا فيه فهو نابع من إختلاف البنية البدنية لا العقلية ( مثل قوة الرجل في الجهاد ، و حمل المرأة والإرضاع والنفاس …) فلم يسقط الإسلام عنها أي تكاليف لأنها أقل ذكاءً من الرجل!!!

٢.قد جاءت النصوص تكرم الرجل والمرأة على السواء :
فقال عز وجل ” لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم” (التين ٤)
وقال عز وجل ” ولقد كرمنا بني آدم ” (الإسراء)
وقال عز وجل ” فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض” (آل عمران ١٩٥)
فالثواب للرجال والنساء على السواء دون تمييز ويؤكده قوله عز وجل ” بعضكم من بعض “
وقال رسول الله ﷺ ” النساء شقائق الرجال ” (تخريج المسند بسند صحيح)
وقد ذكر القرآن على أن المفاضلة بين البشر إنما تكون على أساس التقوى فقط فقال عز وجل ” إن أكرمكم عند الله أتقاكم” (الحجرات ١٣ ) وهو قول فصل في دعوى التمييز تبعا للجنــ ـــس
بل نجد أن الحديث نفسه يمدح المرأة السائلة فيقول ‘ فقالت امرأة جزلة منهم ” أي امرأة فطنة وذات رأي
فيجب مناقشة الحديث بعيداً تماما عن الإنتقاص من قدر المرأة.
بل نجد أن الله عز وجل فضل بعض النساء على الرجال وجعلهن قدوة للرجال والنساء على السواء فقال عز وجل في سورة التحريم ” وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ….. (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)”
وهذا رد على من يدعي أن الحديث يقول أن المرأة أقل إيماناً لأنه قال أنها ناقصة دين ، فلو كانت أقل ديناً فهل يستقيم أن يجعلها القرآن قدوة لأمة الإسلام بما فيهم الصحابة الكرام !! قطعا لا
فمعنى ناقصة دين أنه يسقط عنها بعض الفروض أثناء حيضها ونفاسها وليس معناه أنها أقل إيماناً بل ان هذا رخصة ورحمة لها

نعود مرة أخرى إلى نقصان العقل فقد قلنا أن معناه هو أن شهادة المرأة تعدل نصف شهادة الرجل وهنا يأتي السؤال أليس هذا ظلم وتقليل من شأنها وإثبات أنها أقل ذكاء ؟!!
فنقول أن هذا مقتبس من الآية الكريمة ٢٨٢ من سورة البقرة ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ ………… وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ “
فنجد أن الآية ذكرت علة نصف الشهادة فقال عز وجل ‘ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ ” يعني السبب هو التذكير او النسيان فقط ومعلوم ان الذكاء مختلف تماماً عن التذكر ولننتبه أن الآية هنا تتحدث عن شهادة المرأة في الأمور المادية فقط ” إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ ” وذلك لأن المرأة في الغالب لا تحضر العقود المالية وليس لديها خبرة بها وذلك لأن طبيعة المرأة بعيدة عن أحوال التجارة، بعيدة عن البيع و الشراء، بعيدة عن أحوال السوق و مضارباته. المرأة في الغالب بعيدة عن هذه الأمور؛ فلا تذكر تفاصيلها إذا حضرتها، فمن رحمة الإسلام بها أن انضمت لها شهادة امرأة أخرى حتى تذكرها إذا نسيت وهذا لا يمنع أن بعض النساء يكن ذوات خبرة بالعقود المالية ولكن حين تنزل الأحكام ، تنزل قياساً على الأكثر لا على الأقل او الإستثناء.
ولكن هل تعلم أن شهادة المرأة تفوف شهادة الرجل في حالات ، وفي حالات أخرى تساوي شهادة الرجل ، نعم هذا صحيح
فشهادة المرأة تفوق شهادة الرجل في الدفع عن عرضها إذا اتهمها زوجها بالزنا ( فإذا هي شهدت على نفسها أنها لم تزني يؤخذ بشهادتها ولا إعتبار لشهادة زوجها إذا لم يكن عليها أربعة شهداء) وهذا ما ذكره عز وجل في سورة النور الآية ٨ ” وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ” بينما في الكتاب المقدس نجد أن المرأة التي يتهمها زوجها بالزنا لا تنفعها شهادتها لنفسها في شئ (سفر العدد ٥ , ١١-٣٥).
و نجد في الإسلام أن شهادتها مساوية لشهادة الرجل في أمور عظيمة مثل رواية الحديث فقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مئات الأحاديث عن النبي ﷺ وكانت شهادتها مساوية لشهادة الصحابة الرجال في رواية الأحاديث ، فقال الشوكاني رحمه الله : «لم يُنقل عن أحد من العلماء بأنه رد خبر امرأة لكونها امرأة، فكم من سنة قد تلقتها الأمة بالقبول من امرأة واحدة من الصحابة، وهذا لا ينكره من له أدنى نصيب من علم السنة» ( نيل الأوطار ٣٢١/٦)
بل وهي مساوية للرجل في الأمور التي يكون للمرأة خبرة فيها فقال ابن تيمية رحمه الله عن آية نصف شهادة المرأة : ” فِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ اسْتِشْهادَ امْرَأتَيْنِ مَكانَ رَجُلٍ إنّما هُوَ لِإذْكارِ إحْداهُما الأُخْرى إذا ضَلَّتْ، وهَذا إنّما يَكُونُ فِيما يَكُونُ فِيهِ الضَّلالُ فِي العادَةِ، وهُوَ النِّسْيانُ وعَدَمُ الضَّبْطِ،….. فما كان من الشهادات لا يُخاف فيه الضلال في العادة ««لم تكن فيه على نصف رجل»»، وما ««تقبل فيه شهادتهن منفردات (أي لا يعتد بشهادة الرجل فيها ) »» إنما هي أشياء تراها بعينها، أو تلمسها بيدها، أو تسمعها بأذنها،كالولادة، والاستهلال، والارتضاع، والحيض، والعيوب تحت الثياب، فإن مثل هذا لا ينسى في العادة” ” (الطرق الحكمية ١/‏١٢٨ — ابن القيم (ت ٧٥١) )
وهذا يعني أن المقياس في الشهادات هو خبرة الشاهد بما يشهد عليه فعندما غابت خبرة الرجل في أمور النساء لم تقبل شهادته أصلا وعندما كان للمرأة خبرة ضعيفة في الأمور المادية أصبحت شهادتها نصف شهادة الرجل وهذا يعني أن المعيار هو الخبرة وليس الذكاء أو الفهم وبذلك يبطل الإدعاء القائل بأن نصف الشهادة هو سبب قلة ذكاء المرأة لأن الرجل أيضا لا تقبل شهادته في بعض الأمور فهل هذا يعني انه أقل ذكاءً أيضا؟!
وقد علل ابن تيمية حكمة كون شهادة المرأتين تعدلان شهادة الرجل الواحد، بأن المرأة ليست مما يتحمل عادة مجالس وأنواع هذه المعاملات، لكن إذا تطورت خبراتها وممارساتها وعاداتها، كانت شهادتها حتى في الإشهاد على حفظ الحقوق والديون مساوية لشهادة الرجل.. فقال : « ولا ريب أن هذه الحكمة في التعدد هى في التحمل ، فأما إذا عقلت المرأة ، وحفظت وكانت ممن يوثق بدينها فإن المقصود حاصل بخبرها كما يحصل بأخبار الديانات ، ولهذا تُقبل شهادتها وحدها في مواضع ، ويُحكم بشهادة امرأتين ويمين الطالب في أصح القولين ، وهو قول مالك وأحد الوجهين في مذهب أحمد » ( إعلام الموقعين عن رب العالمين ١/‏٧٥)
إذاً فنصف شهادتها ليس إنتقاصاً من شأنها ولا دليلا على قلة ذكائها وإنما هو خاص بالأمور التي لا خبرة لها فيها والتي قد يختلط عليها فتحتاج لأخرى تذكرها إذا نسيت لا أكثر
ولا ننسى أن الآية تتحدث عن الإشهاد على عقود الدَيْن وليس الشهادة
أعتقد أن في هذا القدر كفاية لبيان أن الإسلام لم ينتقص من قدر المرأة ولا من ذكائها وأن الحديث يجيب عن الشبهة بنفسه وقد فصلنا في موضوع شهادة المرأة وأنه لا إنتقاص لقدرها فيه
ونسأل الله الهداية للجميع والسلام عليكم
أنصحكم بكتاب المرأة بين إشراقات الإسلام و إفتراءات المنصرين للدكتور سامي عامري
سلسلة المرأة للدكتور إياد القنيبي