ياسين خرشوفة ✍️

يوم أمس ( 23 مارس2022) استقال من منصبه – أو طرد من عمله – سياسي واقتصادي روسي شهير اسمه “أناتولي تشوبايس”.

ينتمي “تشوبايس” لحقبة بوريس يلتسين قبل 25 عاما حين كان من الذين تلقوا تعليما وتدريبا اقتصاديا على النمط الغربي، بل كان من “أنبياء” و”مبشري” الأوروبية والنظام الاقتصادي الرأسمالي.

جاء الإصلاح الاقتصادي في عهد يلتسين على حساب الفقراء وأظهر طبقة متوحشة من الأثرياء الروس، ووضعت تهمة الإصلاح في أعناق بضعة اقتصاديين أمثال تشوبايس.

لم يصعد نجم بوتين في سماء التاريخ الروسي الحديث بسبب نجاحه في حرب الشيشان منذ عام 2000 فحسب بل لأنه كسب أيضا القطاع الأوسع من محدودي الدخل وأبناء الطبقة الوسطى وقدامى المحاربين، ذلك لأن بوتين رفع الرواتب والمعاشات وقام بعملية تاريخية تشبه “تأميم” القطاع الاقتصادي وهي عملية يسميها الرأسماليون الروس “نهب ثروات رجال الأعمال” لصالح الكرملين.

لم يكن من المنطقي أن يتم “تأميم” القطاع الاقتصادي وترك القنوات التلفزيونية والصحف تقدح وتهاجم بوتين لأن هذه القنوات مملوكة للرأسماليين الذين تم نفيهم أو سجنهم بتهمة التهرب من الضرائب وحقوق الشعب.

على هذا النحو أغلق الكرملين وسائل الإعلام ذات الصوت المغاير ولم يسمح إلا بالحديث والكتابة في تيار واحد حول تماسك الدولة ووحدتها وعداء الغرب والسخرية من “الديموقراطية” على النموذج الغربي.

نفر قليل من أصحاب المبادئ الرأسمالية والمفاهيم الغربية بقوا في روسيا بشكل أو بآخر مع بعض ضمانات هشة مع الكرميلن إن ظلوا داخل الخطوط الحمراء.

قبل إقالة أو استقالة تشوبايس أمس قام على حسابه على الفيسبوك الشهر الماضي بنشر صورة (من دون تعليق) ربما كانت ذات صلة بتطورات الأوضاع الحالية.
نشر تشوبايس صورة أحد المعارضين الروس – بوريس نمتسوف – الذي تمر ذكرى اغتياله (فبراير) أمام بوابات الكرملين في عام 2015 .

حين تم اغتيال نمتسوف أمام أبواب الكرملين تبرأت روسيا من الأمر وقالت إن الاغتيال ساذج للغاية يريد أن يرمى بجثة القتيل أمام الكرملين ليضعها في رقبتنا، ومضى الدفاع الروسي يقول إن الذين اغتالوه هم أربابه من الغرب الذين يريدون تشويه صورة روسيا في العالم.

مرت حادثة الاغتيال في 2015 دون ضجيج ولم تهتم بها سوى بضع مواقع غربية على الإنترنت وتجاهلها الروس وارتاح بعض القوميين المتشددين في روسيا من معارضته.

حين نشر تشوبايس صورة القتيل في الذكرى السابعة دون أن يكتب معها أي تعليق تم تفسير الأمر بأنه شكل صامت من أشكال الاعتراض على الحرب في أوكرانيا، وفسرها البعض بأنها مجرد ذكرى عابرة وذهب فريق ثالث أن نشر الصورة يشير إلى أن تشوبايس يخشى نفس المصير.

على هذا النحو تأتي إقالة تشوبايس من منصبه أمس كمبعوث خاص للرئيس بوتين في العلاقات الدولية وثيقة الصلة بالموقف في الكرملين تجاه الحرب في أوكرانيا ومدى تماسك السياسة حول الرئيس بوتين.

الباحثون مشغولون هذه الأيام بمراجعة مثل هذه الدلالات الرمزية ومراجعة عدم ظهور القادة الروس الكبار في لقاءات تلفزيونية أو وسائل الإعلام حول بوتين حتى لا يفهم منهم أي موقف تجاه الحرب أو أي اعتراض أو تأييد.

ماذا يحمل الغد في روسيا !؟
الإجابة أكثر تعقيدا مما نتوقع وسيستمر أثرها سنوات طويلة مقبلة.

ولعلي أختم بعبارة “روسيا أم المفاجآت”.