ياسين خرشوفة ✍️

انطلاقاً من نظريّة “طقوس التّفاعل” لغوفمان، وتوظيف “راندل كولينز” لها وتطويرها في كتابه البديع “علم اجتماع الفلسفات”، فإنّنا نعيش بصور ودرجات مختلفة أزمة وقلقاً واضطراباً ينشأ من جدليّة “حقيقة ذواتنا” و”واجبات أدوارنا الاجتماعيّة ومتوقّعاتها”، أي بين “البيرسون” و”البيرسونا” بتعبيرات المسرح.

والحقيقة أنّ العلاقة قويّة بين التعبير المسرحيّ والمنظور الاجتماعيّ لغوفمان وكولينز؛ لأنّهما ينطلقان من مقاربة “المسرح المجتمعيّ” موازياً لـ”المسرح الفنّيّ”؛ فنحن البشر لنا ذواتنا وشخوصنا الحقيقيّة الّتي تؤثِّر فيها بنيتنا البيولوجيّة والوراثيّة والتربويّة واللسانيّة لترسم ملامح “شخصيّتنا”، ولكنّنا في الوقت نفسه نعيش في “مجتمعات” تفرض أدواراً اجتماعيّة على كلّ من ينتمي لمؤسّساتها، فالرّجل منّا على سبيل المثال قد يعيش مفارقات وجدليّات بل صراعات بين طبيعته وشخصيّته الحقيقيّة الذّاتيّة “هو بيرسون”، وما يفرضه انتماؤه إلى “مؤسّسة الذّكورة أو الرّجولة” المجتمعيّة “هو بيرسونا”، فهذا الثّاني يشبه “الدّور المسرحيّ المكتوب” الّذي يفرض عليك الأدوار والمواقف والحوارات، بينما يحاول الأوّل أن يكشف عن نفسه عبر “الخروج عن النّصّ” أحياناً لو استطاع، حتى يتحوّل هذا الخروج إلى “دور جديد” و”بيرسونا” متى كان قويّاً وقادراً على فرض هذا الدّور الجديد على “مؤسّسات المجتمع المسرحيّة”.

وفي الوقت نفسه قد تعيش “المرأة” اضطراباً أكبر وقلقاً أشدّ بسبب كبر الفجوة بين دوافع “ذاتها: هي بيرسون”، وواجبات “دورها: هي بيرسونا”، وحساسيّة المؤسّسات المجتمعيّة تجاه “خروج المرأة عن النّص” حساسيّة تزيد عن حساسيّتها تجاه خروج “الرّجل” عن النّصّ.

وتتركّب الأدوار وتتعقّد في المجتمعات، فالرّجل والمرأة لا يقعان تحت شرط الأدوار “الجنسيّة” وحسب، بل تحت شروط أدوار متداخلة ومتدافعة كـ”الأمومة والأبوّة” و”الزّوجيّة”، وأدوار المكانة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والوظائف والانتماءات العرقيّة والدّينيّة.

وهنا تقع كثيرات ممن يرفعن شعارات “النّسويّة” في مأزق “الاختزال المخلّ” حين يرون أنّ مصدر القلق والاضطراب بل “الصّراع” يعود لجدليّة “الدّور الجنسيّ” الّذي يسمّونه “جندراً وجندريّة” – وهو تعريب لا أفضّله- وحسب! أي نفي أثر الأدوار الأخرى وشروطها، أو النّظر إليها بوصفها مجرّد انعكاسات لجدليّة “الأدوار الجنسيّة” لا العكس.

وهكذا تستيطع “مؤسّسات المجتمع” الّتي هي تعبيرات عن “مؤسّسة سلطة المال والسّياسة” أن تستثمر مواقف تلك “النّسويات” ونشاطهن لتعميق مفارقات الأدوار الأخرى، و”تمكين” نفوذ النّصّ السّلطويّ والاقتصاديّ” حين تُختزَل القضيّة بـ”صراع الذّكر والأنثى” أو “الرّجل والمرأة”، لا في صراع الأدوار المجتمعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة والثّقافيّة الّتي تعمل على حفظ الأدوار موزّعة بين قلّة في “المركز”، وكثرة في “الهامش”، بغضّ النّظر عن “الهويّة الجنسيّة” و”صراع الذّكر والأنثى”.

“النّسويّة” و”النّسويّات” في كثير من “أدوارهنّ” يتحولن إلى “حليف إستراتيجيّ” لـ”تثبيت مفارقات الأدوار الاجتماعيّة” مكتفيات بـ”معارك” لا تؤثِّر ولا تغيّر في حقيقة هذه الأدوار، لتنتهي القضية بأنّهنّ يكتفين من “الغنيمة” بـ”الشّعارات والنّدوات والإفنتات والتّمويلات”!

هذا النّقد لمثل هذه “النّسويّة” و”النّسويّات” ليس نقداً لـ”المرأة: الأنثى”، فـ”النّسويّة” دور مسرحيّ لا تقوم به المرأة لكونها امرأة فقط، بل يحتاج نصّاً كُتب لها لتقوم بأدائه، فتتحوّل من “بيرسون” إلى “بيرسونا”؛ “بيرسونا” تساهم بوعي أو دون وعي في تهميش “الإنسان” بما هو “إنسان” بغضّ النّظر عن فروق الكروموسوم x و y!

ملاحظة 1: قد يُقال: النّسويّات ليست نمطاً واحداً، فهناك مَن لا تقع تحت شروط هذه الأدوار الّتي ذكرتّها، فأقول: عند الحديث عن الاتّجاهات والتّوجّهات فإنّ الاهتمام ينصبّ على “الخطابات المهيمنة” عليها، والأدوار المكتوبة والحاضرة، فحديثي عن “نصّ النّسويّة”، لا خروج بعضهن/بعضهم عن “النّصّ”، وعن “البيرسونا النّسويّة” لا “البيرسون النّسويّة”.

*ملاحظة 2: “بيرسون” و”بيرسونا” تعريب لفظيّ لـ”person and persona”، الّتي لا أفضّل ترجمتهما أو لا أرضى لهما ترجمة مناسبة. ومن المهمّ أن نلتفت لأصل معنى الكلمة وهو “القناع”.