✍️عبدالله بوشطارت
يكتسي البحث في علم الطوبونيم Toponymieاهتماما بالغا في فهم تاريخ الأوطان والأمصار، وتتبع التحولات العميقة التي تعيشها الأمكنة والمجتمعات وتاريخها. والطوبونيميا هو علم يبحث في أصول ومعاني أسماء المواقع والأعلام الجغرافية وأسماء الأماكن الطبوغرافية والتاريخية، وهو يستقصي عن معانيها الدفينة ويحاول تفسيرها وتبيان دلالاتها وأسباب نزولها. غير أنه؛ لا يدرسها فقط كأسماء جامدة زمكانيا، وإنما يغوص في التحولات والتغيرات التي يعرفها الاسم الطوبونيمي، وأنساقه اللغوية، وتحركه في الزمن ومدى مسايرته للتحولات البنيوية التي تعيشها الأمكنة والمجتمعات التي تستقر بها. لاسيما؛ أن أسماء الأماكن والأعلام والألقاب تحمل عادة تسميات مقتبسة من اللغة/ اللغات المحلية، وبذلك تكون تلك التسميات مقترنة بواقع تلك اللغة محليا، وبمجال تداولها وزمن عيشها، لأن اللغة تعيش مع الزمن وتعرض للتحولات والتغييرات حسب تحول بنية التاريخ. وعادة ما نجد أن أغلب أسماء الأماكن يكون لها مدلول لغوي وتفسير تاريخي. وهذه الأسماء الأماكنية ليست مجرد تسميات عارية أطلقت بشكل اعتباطي وفوضوي، وإنما تحتكم إلى منطق وإلى معايير مضبوطة. فالأمازيغ على سبيل المثال، يطلقون تسميات على الأماكن والمدن والأنهار والجبال والسهول والدواوير والطرق والقناطر والأودية والشعاب والتلال والفجاج… يطلقون عليها تسميات ذات معاني ودلالات إما مستوحاة من الشكل الطوبوغرافي والتضاريسي للموقع أو من تسمية المجموعة البشرية التي تقطن بالمكان أو المجال، أو طبيعة الأشجار والنباتات التي تشتهر بها تلك المواقع، أو من خلال طبيعة لون الأرض أو بخاصية تتميز بها المنطقة المراد تسميتها، كوجود ينابيع الماء أو معالم أخرى بارزة تعطي للموقع الفرادة والخصوصية تميز بها عن غيرها، كالبعد الوظيفي الذي يمنحه الموقع أو المكان، أو البعد الرمزي كالقداسة والبركة التي تحظى بها بعض الأمكنة والفضاءات.
الحاصل أن؛ دراسة أصل ومعاني هذه التسميات تساعد المؤرخ كثيرا في فهم المجتمعات والمجالات المدروسة، وتطور اللغة المحلية، والتحولات التي تعرفها المجموعات البشرية، خاصة حينما نلاحظ هجرة أسماء الأماكن وتكرارها في الكثير من المواقع والمناطق بالرغم من المسافات الطويلة التي توجد بين أماكن كثيرة، ذات الاختلاف البين وفي التضاريس والمناخ لكنها تحمل نفس الأسماء، مما يوحي على وجود لغة أمازيغية، لا نقول موحدة، ولكن تشترك في البنية وتتقاسم الكثير من المترادفات بالرغم من وجود تعبيرات متعددة، وتنوع المجموعات البشرية والتشكيلات القبلية.
ومن بين هذه الأسماء الطوبونيمية التي نود دراستها في هذه الورقة، هي التي تمتح من الجذر إمليل/ إملول/ أماليل، ⴰⵎⴰⵍⵉⵍ, ⵉⵎⵍⵍⵓⵍ, ⵉⵎⵍⵉⵍ ويبدو منذ الوهلة الأولى أنها تعني نفس المعنى، لكن بعد الغوص بين ثنايا اللغة الأمازيغية، يظهر أنها تحمل دلالات مختلفة.
ومن خلال التجوال عبر الخريطة الأماكنية المغربية، نلاحظ العديد من الأمكنة التي تحوم حول نفس المترادفات التي لها اشتاق موحد تقريبيا من كلمة إمليل/ أومليل، ونذكر البعض منها، وهي:
o مدينة مْليلية، بضواحي الناظور؛
o أسيف/ واد إمْليل بين مدينتي فاس وتازة؛
o واد ملولو، بالقرب من دبدو بإقليم تاوريرت؛
o دير تُومليلين أزرو نواحي إفران؛
o تيط مْليلْ بأحواز الدارالبيضاء؛
o تامْلالت قرب سيدي رحال، إقليم السراغنة
o مدينة بني مْلال؛
o إمْليل بمنطقة دمنات؛
o إمْليل بإقليم الحوز بالقرب من توبقال،
o تينمْل، إقليم الحوز؛
o جماعة تومليلين إقليم تارودانت؛
o تيمليليت بناحية تاليوين إقليم تارودانت؛
o مدينة آيت مْلول؛
o راس أومْليل بين مدينتي اگلميم وطانطان؛
o واد تاملالت بالساقية الحمراء، نواحي مدينة العيون،
نكتفي بهذه النماذج، مع إمكانية ورود مثل هذه الأسماء في مناطق أخرى متفرقة، وإذا كانت كلمة أومليل واضحة المعنى والتي تعني الأبيض الناصع في اللغة الامازيغية، فإن التسميات الأخرى التي يبدو أنها تدل على نفس المعنى المرادف لأمليل/ الأبيض، لا تعطي نفس المعنى، بالرغم من التحريف والتصحيف الذي لحق هذه الأسماء بفعل التحولات الثقافية والاجتماعية التي عرفها المغرب في القرون الأخيرة. ولاشك أن اختلاف المواقع الجغرافية والطوبوغرافية للأماكن التي تحمل تسمية إمليل/ أومليل، مليلية، يبين بالملموس أنها لا تفيد بالدرجة الأولي نفس المعنى (الأبيض). ونلاحظ أن هذه التسمية تعرضت لتغييرات في نطق الكلمة، أومليل أو أمليل إلى إمليل أو مليل/ ملال، ومليلية، بحذف الحرف الأول من الكلمة كما هو سائد في الكثير من أسماء الأماكن والمدن المغربية، حيث يتم تعريبها أو جعلها على الصيغة المعربة إما عمدا بفعل السياسة الترابية والثقافية للدولة، أو بشكل عفوي بسبب تداول الاسم الأمكاني في المجتمع حيث يتعرض لبعض التغييرات لتسهيل النطق.
نبدأ بتسمية “مليلية” وهي المدينة التي يحتلها الاسبان منذ أواخر لقرن الخامس عشر الميلادي، قد تبدو أنها مقتبسة من كلمة أومليل، أو أمليل، وتحولت إلى مليلت ثم إلى مليلة، هكذا كتبها “الحسن الوزان”، ثم صارت مليلية. والواقع أن الكلمة لا تعني بالضرورة اللون الأبيض. بالرغم من “حسن الوزان” (توفي عام 1554) ذكر أن سبب تسمية المدينة ب “مليلة” ناتج عن الاشتقاق اللغوي من كلمة العسل بالأمازيغية، في قوله: ” ولها إقليم كبير ينتج كمية هامة من الحديد والعسل، ومنه اشتق اسمها مليلة الذي يعني العسل في لغة الأفارقة”. ربما أخطأ هنا حسن الوزان في تفسير معنى كلمة “مليلة” لأن العسل بالأمازيغية يعني تامنت ⵜⴰⵎⵎⵏⵜ. وهذا ما أشار إليه أيضا مترجمي كتاب “وصف إفريقيا”، وقد أضافا تفسيرا لمعنى تسمية مدينة مليلية في الهامش، “ومليلة تحريف عربي لكلمة تامليلت بمعنى موقع مدرج، وكذلك كانت مليلة مبنية على منحدر صخري”. يتضح من خلال هذا الشرح الإضافي، أن معنى إسم مدينة مليلية يفيد المدرج/ المدرجات، ولا تعني اللون الأبيض.
هذا التفسير والمعنى لتسمية مدينة مليلية الأمازيغية، تتقاسمه مع طوبونيم آخر وهو “تينمل” العاصمة الروحية والأيديولوجية لدولة الموحدين بسفوح الأطلس الكبير المطلة على مراكش، وهي عبارة حاليا عن قرية صغيرة تقع بالمجرى الجبلي لنهر نفيس أحد روافد نهر تانسيفت. بها استقر ودفن مؤسسها “المهدي بن تومرت”، كما دفن بها أيضا أول سلاطين الامبراطورية الموحدية عبدالمومن أگومي، وقد تعرضت هذه التسمية لكثير من التأويلات والاجتهادات، نظرا لورودها في المصادر والمتون التاريخية بصيغ وأشكال مختلفة، مما يجعل ضبط الكلمة والبحث عن دلالتها أمرا صعبا للغاية. واختلف المؤرخون حول طريقة كتابتها، حيث نجدها عند “البيذق” صاحب كتاب أخبار المهدي، بصيغة “تينملل” وعند ابن القطان، وابن خلدون، أما الادريسي في نزهة المشتاق تانمللت، غير أن صاحب كتاب الحلل الموشية أوردها بصيغة “تينمال”، وفي مؤلف روض المعطار نجدها على شكل “تامللت”، وفي وصف إفريقيا كتبها الوزان على شكل “تينْمَل”. وتتغير صيغ كتابة هذا الطوبونيم بالرغم من شهرته التاريخية خاصة أيام دولة الموحدين حين كانت تينمل الروحية والأيديولوجية للدولة، ويزورها السلاطين بانتظام. هذا الاختلاف وعدم ضبط كتابة التسمية جعل المؤخ إبن صاحب الصلاة يكتبها بصيغتين مختلفتين، مرة كتبها متصلة “تينملل” ومرة منفصلة “تين- ملل”، وهذه الصيغة الأخيرة هي التي جعلت الكثير من الباحثين يقتنعون بكون التسمية مركبة من كلمتين “تين -أميلال” كما هو شائع في الكثير من أسماء المدن والأماكن بالمغرب والصحراء وعموم شمال إفريقيا، من قبيل (تينغير تيندوف تينيريفي …). و”تين أميلال” حسب ما ذهب إليه المؤرخ الأمازيغي المرحوم “صدقي علي أزايكو” الضليع في اللغة الأمازيغية تعني “ذات المدارج”. لأن كلمة “أماليلⴰⵎⴰⵍⵉⵍ ” كما يقول دائما صدقي أزايكو: “جمعها إيميلال ⵉⵎⵉⵍⴰⵍ تعني الجوانب المبنية من المدرجات الزراعية المعروفة في المناطق الجبلية”.
وبهذا التفسير الظاهر “لتينمل” تكون قد تتقاسم نفس المعنى مع مليلية بشمال المغرب، على اعتبار أن الموقع الذي تتواجد به كل من تينمل ومليلية عبارة عن مدرجات جبلية. لكن “صدقي علي أزايكو” الذي قام بتحقيق مخطوط “رحلة الوافد” لعبدالله ابن براهيم التاسافتي، نسبة لزاوية “تاسافت” القريبة من موقع تينمل، يقترح تفسيرا آخرا لمعنى الطوبونيم “تينمل”، إذ يقول أزايكو: “وأعتقد أن النطق الصحيح للكلمة هو تينْميلَّالْ ⵜⵉⵏⵎⵉⵍⵍⴰⵍ وأنها ليست مركبة، بل هي كلمة واحدة وأن معناها هو المزار أو المحج والحَرَم والحُرمة، وأن هذا المعنى كان لها من قبل لم تكتسبه بمجيئ ابن تومرت إليها، لأن تينميلال كانت موجودة قبل قيام الحركة الموحدية. فدورها كمكان مقدس تعقد فيه العقود والعهود بين القبائل المجاورة ربما كان بارزا قبل القرن الثاني عشر بكثير، ولا يستبعد أن يكون دورها هذا من أهم الدوافع التي جعلت ابن تومرت يختارها لتكون نقطة انطلاق سعيه لتوحيد مصامدة جبل درن.”
هذا النص الذي يقترحه علينا أزايكو وهو المتخصص في تاريخ جبل درن، الاطلس الكبير، والعارف بخباياه وأسراره التاريخية والاجتماعية والثقافية، يمنح لنا تفسيرا مغايرا لما هو شائع من كون أن “تينمل” يمكن أن تفيد المدرسة بحكم أن الموقع يتواجد به مسجد كبير يعود للفترات الأولى للدولة الموحدية بعد أن استقر بها المهدي ابن تومرت قادما إليها من أرغن بضواحي تارودانت حيث منشأه وأصله. لكن مادام أن الاسم قديم جدا وسابق عن قدوم ابن تومرت إلى المنطقة، كما أن ورود الاسم بصيغ مختلفة جعل الاعتقاد بكون المعنى يفيد المدرسة غير جدي، لأن التسمية وردت في كثير من النصوص ب تنملل وليس تنملْ. كما ينطقها السكان محليا حاليا ب تينملَّ..
فهل هي تعني ذات المدرجات بحكم أن إيميلال هي المدرجات أو بشكل دقيق الجوانب المبنية من المدرجات، على اعتبار أن كلمة أَلاَّلْ ⴰⵍⵍⴰⵍ تعني البستان الصغير الذي يقع على سفح جبل أو على مقدم وادي، ويمكن أن يكون جمع ألال الذي هو ألالن ⴰⵍⵍⴰⵍⵏ هي تفسير تسمية مجموعة قبائل إيلالن بالأطلس الصغير والتي يتم تحريفها وتعريبها ب”هلالة”. أو تعني المدلول الذي اعتقد ازايكو في صحته أي تينميلال التي تفيد المزار والمحج.
أما فيما يخض إمليل بالحوز بجبال الأطلس الكبير في الممرات المؤدية إلى جبال توبقال، غير بعيد عن تينمل، فيمكن أن تعني البياض بسبب الثلوج الكثيرة التي تهطل بهذه المرتفعات، ويمكن أيضا أن تفيد معنى المدرجات بحكم تواجدها بالمنطقة، بحكم أن “إيميلال” جمع “أماليل”، يمكن أن تتحول حسب التداول اليومي إلى إمليل، وينطبق هذا أيضا على إمليل بالقرب من دمنات إقليم أزيلال، وكذلك بجماعة واد إمليل بإقليم تازة، فهي تتشابه تضاريسيا وطبيعيا، وتتضمن الكثير من الحقول والبساتين التي تقع على السفوح على شكل المدرجات الزراعية التي يشتهر بها الأمازيغ كتقنية قديمة لتوفير أراضي زراعية في المرتفعات، وكذلك لتجنب انجراف التربة في السفوح الذي يؤدي إلى التعرية السريعة إلى اتلاف الأراضي الصالحة للزراعة. كما يمكن أيضا أن تدل تسمية “أسيف إمليل” على “الواد الأبيض” إما لكونه يقع في منطقة تتواجد به تربة بيضاء أو أنه يجرف مياها لونها قريب إلى البياض. ونستشف هذا التفسير من إشارة “حسن الوزان” في حديثه عن نهر ملُّولُّو ويقول :” ملولو نهر نابع من الأطلس في تخوم مدينتي تازا ودبدو، لكنه إلى دبدو أقرب. ويسيل في سهول تيرست وتفراطة الوعرة اليابسة”. وتيرست كلمة أمازيغية عبارة عن أرض بيضاء كالصالصال، وحين يسيل الوادي تتجمع في المياه الجارفة من هذه الأراضي ويكون لونها أبيضا، وقد يكون ذلك سببا في نزول هذه التسمية.
أما بالنسبة لمدينة بني ملال، ومدينة آيت مللول، فيبدو أنهما تسميتان تدلان عن المجموعات البشرية وليس إلى شكل تضاريسي، وتفيدنا دراسة الأماكنية المرتبطة بأسماء الجماعات القبلية في فهم التطور التاريخي الذي عرفته المناطق والمجالات، وتعطينا صورة عن البنية السلالية التي ارتبط بها تقسيم المجال، على حد تعبير المؤرخ أحمد التوفيق. فتسمية مدينة بني ملال ليست قديمة نظرا لكونها تقع في موقع قديم يسمى بمدينة “داي” والتي ارتبط اسمها بالمرابطين الذين بنوا بها قصبة خاصة بهم أثناء زحفهم نحو شمال مراكش. ويظهر أن المجال الذي تقع فيه بني ملال تعرض لتغييرات اجتماعية وثقافية ومجالية، بورود كلمة “بني” إذا افترضنا أنها كلمة عربية مرادفة “لأولاد” أي أن التسمية تدل على سلالة أو قبيلة أو مجموعة بشرية تسمى بني ملال ويمكن أن تكون تصحيف للتسمية الأصلية “آيت ملال”، عكس مدينة آيت مللول في سوس بضواحي أگادير فقد احتفظت بتسميتها الأصلية.
غير أن الاجتهاد اللغوي في الأمازيغية في تفسير تسمية “بني ملال” أمام عدم عثورنا على تسمية بهكذا صيغة في تاريخ المنطقة من خلال تتبع وجرد أسماء الأماكن وأسماء المجموعات البشرية، ففي اعتقادنا يمكن أن تكون كلمة “بني” من أصل امازيغي وليست بالضرورة عربية، بمعنى ترجمة “لآيت”، فيمكن أن تكون تحريفا للكلمة الأمازيغية “أباني” ⴰⴱⴰⵏⵉوالتي تعني الجبل، ومنها جبل باني في سلسلة الأطلس الصغير، وبذلك تكون تسمية بني ملال أمازيغية مشتقة من التسمية الأصلية “أباني أملال” أي الجبل الأبيض، نظرا للثلوج التي تكسو قمم تلك المرتفعات القريبة من المنطقة.
أما “تيط مليل” بضواحي الدارالبيضاء، فيبدو أن تسميتها واضحة المعنى، فتيط التي تعني “العين” ومنها مدينة تيطاوين، واردة في مناطق متعددة غير بعيد عن الدارالبيضاء توجد منطقة “تيط نفطر” بنواحي الجديدة حيث يوجد المزار المشهور لسيدي عبدالله أمغار. و”تيط مليل” بالرغم من تموقعها في منطقة هبطية تعرضت بالكامل لعملية تعريب شبه شاملة، بقي هذا الطوبونيم صامدا أمام تحولات جارفة وقوية غيرت المجال الذي كانت تقطنه المجموعات الأمازيغية في تامسنا بين الرباط وأزمور، كوثيقة تدل على أن المجال كان يقطنه الأمازيغ، وبتتبع أسماء الأماكن في منطقة الدارالبيضاء يمكن لنا أن نضع خريطة شبه تقريبية للقبائل الأمازيغية التي كانت تنتشر في المنطقة، من خلال أسماء الأماكن التي تدل على المجموعات البشرية، من قبيل “مديونة” “زناتة” “أولاد زيان”…فالأماكنية يمكن توظيفها لتتبع وثيرة الاستقرار وتاريخ المجموعات البشرية في المجال المدروس، وتطوره التاريخي.
وفي هذا الصدد يقول المؤرخ أحمد التوفيق: “لابد من التأكيد على القول بأن المؤرخ الذي يهتم بأسماء الأماكن كوثائق، ليس هو مؤرخ الحدث السياسي بالدرجة الأولى، بل قبل غيره هو مؤرخ الجماعات البشرية، وتاريخ تعميرها للأرض واستيطانها، وتاريخ أنماط عيشها.”
ونقيس كلام التوفيق على أمكانية الصحراء المغربية، حيت تتواجد الكثير من الأسماء الأمازيغية، التي لها علاقة بالنماذج المدروسة في هذه الورقة، من بينها “تاملالت” بالساقية الحمراء، و”راس أمليل” بين مدينة أكلميم وطانطان، لنعرف أن الأرض تثبت هويتها من خلال أسماء أمكانها، بالرغم مما تتعرض له من محاولات تحريفية من تزييف المعالم والملامح الأصلية.
مجمل القول، إن كنا سنخرج بخلاصات بعد كل ما أدرجناه في هذه المقالة، فإننا سنكتفي بالقول، أن الأمازيغية لغة موحدة تكتنفها تنويعات وتعبيرات جهوية ومجالية لها ارتباط بالمجموعات الأمازيغية الكبرى، فقد أوردنا نماذج من المناطق التي ينتشر فيها اللسان الزناتي/ إيزناتن، الريف مليلية، ثم نماذج من مناطق ينتشر فيها اللسان المصمودي، تينمل/ “تيط مليل” إلى مناطق ينتشر فيها اللسان الصنهاجي، آيت مللول/ تاملالت/ تومليلين، ليتضح أن المغرب من الأبيض المتوسط إلى الصحراء كان ينعم بمقومات وبنيات الوحدة الثقافية والمجالية التي تمنحها إياه الثقافة الأمازيغية…
تعليقات الزوار ( 0 )