بقلم الاستاذ : ياسين خرشوفة
يشير بعض الباحثين إلى أن أول نظام مصرفي نشأ – للمفارقة – على يد “فرسان المعبد”، التنظيم العسكري المسيحي الذي أنشئ خلال الحروب الصليبية، وكان يهدف في بادئ الأمر الى حماية الحجاج المسيحيين من قطاع الطرق في رحلتهم من ايرلندا وحتى القدس، قبل أن يتحولوا إلى رأس حربة الجيوش الصليبية في حربهم ضد الجيوش الإسلامية!
بسبب موقعهم المميز في الحملات الصليبية ، ضَمِن فرسان المعبد امتيازات مذهلة ابتدات باصدار البابا اينوسنت الثاني ( بلغت الكنيسة في عهده ذروة نفوذها وقوتها) مرسوم اسماه “العطية بالغة الكمال” والذي بموجبه أعفى تنظيم الفرسان من الخضوع للقانون المحلي فباتت لهم الحرية الكاملة في اجتياز جميع الحدود، بالاضافة الى اعفائهم من دفع الضرائب، وربطهم مباشرة بسلطة بابا الفاتيكان، دون خضوعهم لاي سلطة دنيوية على الاطلاق!
بفضل هذه المزايا، أنشأ فرسان الهيكل شبكة مزدهرة من المصارف مكنتهم من كسب نفوذ مالي هائل. سمح نظامهم المصرفي للحجاج الدينيين بإيداع أموالهم وأصولهم في بلدانهم الأصلية وسحب تلك الأموال في الأراضي المقدسة، وهكذا يضمن الحاج أنه لن يتعرض للسرقة في الطريق، وبرغم أن الفائدة/ الربا كان محرما دينيا في النظام المسيحي، إلا أن الكنيسة غضت النظر عن تعامل فرسان المعبد بالربا!
لم تكن هذه الطريقة الوحيدة التي راكم فيها فرسان المعبد لثرواتهم التي فاقت ثروات الممالك الاوروبية في العصور الوسطى، عمل الفرسان في العديد من المجالات ابرزها بيع الاثار الدينية التي نقلوها من الاماكن المقدسة، قام الفرسان بالحفر في جبل الهيكل واستطاعوا جمع الكثير من الاثار الدينية التي نقلوها الى اوروبا ، كانت الآثار الدينية تمثل هوسًا للمجتمع الأوروبي في ذلك الوقت، حيث توضح باربرا فرالي،المؤرخة بمدرسة الفاتيكان “كان الناس يؤمنون بأن تلك الآثار أقرب الطرق للمس الرب”، كما عملوا كذلك في مجال بناء القلاع والحصون ، حيث اكتبسوا خبرة في هذا المجال من بنائهم للقلاع الصليبية في الاراضي المقدسة، هذا فضلا عن التبرعات التي انهالت عليهم من مواطني أوروبا وملوكها
هذه الثروة جعلت التنظيم مركزا للاستهداف من قبل ملوك اوروبا خاصة بعد انتهاء الحروب الصليبية وضعف السلطة البابوية، حيث قام ملك فرنسا فيليب الرابع عام 1306 باتهام الفرسان بالزندقة، ضمت لائحة الاتهامات الكثير من الدعاوي على راسها اهانة الصليب ( بعد ان كانوا حماته ) وممارسة الشذوذ والاتجار بالربا، حاول البابا كليمنت الخامس الضعيف التدخل لحماية التنظيم.
الا أن الملك فيليب هدد بالانشقاق عن الكنيسة البابوية في روما اذا ما اصر البابا على التدخل، للمفارقة لم يكن البابا آنذاك في موطنه بالفاتيكان حيث ابقاه الملك فيليب الرابع داخل حدود ملكته في فرنسا كأول بابا في تاريخ الكنيسة لم يسكن في الفاتيكان، وذلك بهدف اخضاعه والسيطرة عليه، وحين تمكن الملك فيليب اخيرا من القضاء على التنظيم ، شن هجوما على مصارفهم الا أنه لم يجد فيها شيئا على الاطلاق، وحتى يومنا هذا لم يتمكن احد من العثور على ثروة فرسان المعبد.
تعليقات الزوار ( 0 )