✍️ياسين خرشوفة

ان كل الكوارث والأخطاء الاستراتيجية الفادحة التي ارتكبتها أمريكا تعود برمتها إلى إدارة بوش ومجموعة المحافظين الجدد الذين كان لديهم قدر عالي من الاستعلاء والغرور وعمى القوة مع شعور كبير بالراحة وعدم التهديد من قبل اي منافس على المستوى الدولي، ما دفعهم لارتكاب الكثير من الحماقات والافراط في الالتزام بحروب لم يكن من الممكن تحقيق الانتصار بها، ودون ان تكون هناك مبررات جيواستراتيجية ومصالح حقيقية لامريكا، وما اوكرانيا الا حالة من حالات متعددة لهذا الفشل الاستراتيجي الفادح للادارات الامريكية المتعاقبة منذ عهد بوش والمحافظين الجدد !

ترجع جذور الازمة الاوكرانية الى اواخر عهد بوش وتحديدا في قمة بوخارست بابريل 2008، وهي اخر قمة للناتو يحضرها الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش، طرحت الادارة الامريكية حينها اقتراح ضم كل من جورجيا واوكرانيا الى حلف الناتو، هذا الاقتراح لقي معارضة قوية من قبل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الالمانية انجيلا ميركل التي قالت ان هذه الخطوة من شأنها تقويض الامن في اوروبا!!! لكن الادارة الامريكية ستصر على موقفها رغم التحفظات الشديدة من المانيا وفرنسا وستنتهي القمة باعلان ترحيبها بدعوة كل من جورجيا واوكرانيا للانضمام للناتو، الذي تم طبعا بضغط امريكي ورضوخ اوروبي للضغوط الامريكية بنهاية المطاف.

بطبيعة الحال سترفض روسيا بشدة هذه الدعوة وتلوح باستخدام العنف في سبيل اجهاضها، وبالفعل لن تمض اكثر من اربعة اشهر حتى تغزو روسيا جورجيا ساعية الى اسقاط رئيسها الموالي للغرب ميخائيل ساكاشفيلي ،المعتقل حاليا في جورجيا، وبعد حرب قصيرة خاطفة ستتمكن روسيا من فصل عدة مناطق في القوقاز (أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية) من جورجيا وتطويق حكومة تبليسي واضعافها، والاهم كان ارسال رسائل لاوكرانيا – التي كانت تقودها رئيسة الوزراء المشاركة في الثورة البرتقالية 2004 والموالية للغرب يوليا تيموشينكو آنذاك – والغرب ان روسيا لن تتورع عن فعل اي شيء في سبيل ماتراه حماية لامنها القومي !

كان الرد الغربي باهتا جدا على الغزو الروسي لجورجيا وفصل عدة مناطق عنها، واكتفى جورج بوش فقط بإدانة هذه السابقة الخطيرة منذ نهاية الحرب الباردة دون فرض أية عقوبات على روسيا! وقد بررت مستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس ردة الفعل هذه بأن جورجيا لم تمثل أهمية جيوسياسية أو امنية بالنسبة لأوربا ! وهو مايطرح تساؤلات حول اسباب ابداء الناتو رغبته بضمها اليه منذ البداية!!!

ستمضي عدة سنوات حتى تنفجر الازمة الاوكرانية/ الروسية تحديدا في نوفمبر 2013، حين سيرفض الرئيس الاوكراني الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش عرضا من الإتحاد الأوربي بالانضمام له، ويختار روسيا بدلا عنها، ماسيطلق موجة احتجاجات عارمة في عموم أوكرانيا تنتهي بهروب يانوكوفيتش الى روسيا وسقوط حكومته في فبراير عام 2014، تلا ذلك تصويت البرلمان الاوكراني على إلغاء قانون التعددية الاثنية واللغوية لاوكرانيا في مسعى صريح لتقويض الروسية في البلد، وقد جاء الرد الروسي سريعا عبر امرين رئيسيين:

الأول : احتلال شبه جزيرة القرم وضمها لروسيا ، ولم تتطلب هذه الخطوة ارسال روسيا لاي قوات عسكرية حيث كانت تمتلك اكبر قاعدة عسكرية لها في البحر الاسود داخل شبه جزيرة القرم، وكل مافعلته انها اعادت نشر قواتها المتواجدة داخل القاعدة العسكرية تلك على مداخل القرم!

الثاني: اشعال فتيل حرب اهلية في اقليم دونباس شرقي اوكرانيا ودعم قوى عسكرية روسية موالية لها والتهديد بتقسيم اوكرانيا ان استمرت في مساعيها للانضمام الى اوروبا والناتو!
مجددا لم يقدم الغرب الكثير لأوكرانيا، واكتفت ادارة اوباما بفرض عقوبات على روسيا اتضح لاحقا انها قليلة الاهمية وغير مؤثرة، في وقت يتزايد فيه اعتماد دول اوروبية أساسية كألمانيا وايطاليا على الغاز الروسي، بعد ذلك تجمدت الاوضاع في اوكرانيا بفضل اتفاقات منسك التي اقرت حكما ذاتيا في المناطق المتنارع عليها.

مع وصول ادارة بايدن للسلطة عاد الملف الاوكراني للاشتعال من جديد، وذلك حين مدت إدارة بايدن الحكومة الاوكرانية بالعتاد العسكري وارسلت خبراء بهدف تدريب القوات الاوكرانية، في خطوة تعد ضماً بحكم الواقع لاوكرانيا الى حلف الناتو، تسارعت الاحداث مع مطلع هذا العام بنشر روسيا لقواتها على حدود اوكرانيا ، أراد الروس التفاوض في اللحظات الأخيرة من موقع القوة والتفوق العسكري مع الغرب بشأن ضمانات بعدم ضم اوكرانيا للناتو والتوقف عن تسليح قواتها وتدريبها، مع نزع سلاحها، في حين رفضت امريكا تقديم اية ضمانات او التعهد باي التزامات من هذا النوع وواصلت تسليحها لكييڤ – وهي خطوة كانت ولا تزال ترفضها عدد من الدول في الناتو كألمانيا التي ترفض حتى اليوم تسليح حكومة كييڤ!- ومع اندلاع الغزو الروسي لاوكرانيا أجلت أمريكا خبراءها العسكريين من كييڤ وصرح قادتها واحدا تلو الاخر انهم لن يتورطوا باي حرب من اي نوع ضد روسيا في اوكرانيا!