بقلم: مولاي عزيز أخواض
تُعيد مدينة خريبكة المغربية هذا العام، بحيوية وإبداع، استئناف احتضانها لواحد من أعرق المهرجانات السينمائية في القارة الإفريقية، إذ تستعد لانطلاق الدورة الخامسة والعشرين لمهرجان السينما الإفريقية، الذي بات مرآة عميقة لتاريخ سينما القارة المتنوعة وتطورها، مع جذور ممتدة على مدى ما يقارب نصف قرن من الزمن.
مهرجان بخريبكة.. نافذة القارة على الفن السابع.
منذ تأسيسه عام 1977، لم يكن مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة مجرد حدث ثقافي أو فني، بل تحول إلى منبر للتلاقي والحوار والتبادل المعرفي بين صناع السينما الأفارقة وجمهورهم العريض. فهو الذي جمع، ولا يزال، أكثر من 35 دولة أفريقية، ليقدم منصة حقيقية لتسويق المواهب المحلية والإقليمية في التشخيص، والإخراج، والإنتاج السينمائي.
الدورة الخامسة والعشرون، التي تمثل امتداداً لرحلة استمرت 48 سنة، تأتي لتؤكد مكانة المهرجان كحدث سنوي لا غنى عنه لعشاق السينما الجماعية في خريبكة وما حولها، حيث تشكل فقرات متعددة ومتنوعة مزيجاً فنيًا غنيًا؛ من سينما منتصف الليل التي تُعرض في “طرق الأربع”، إلى المسابقة الكبرى للأفلام الطويلة والقصيرة في المركب الثقافي محمد السادس، إضافة إلى فضاءات التكوين السينمائي بمركز “سكيلز” والندوات الفكرية بمعهد “إنسا”.
السينما الموريطانية.. ضيف شرف يحمل إرثًا ثقافيًا فريدًا.
تحمل هذه الدورة خصوصية بضمها السينما الموريطانية كضيف شرف، وهي تجربة سينمائية مغمورة نسبيًا مقارنة بباقي التجارب الإفريقية، لكنها غنية بتاريخ ثقافي يمتد إلى ستينيات القرن الماضي. تعاني السينما الموريطانية من نقص الدعم المحلي، رغم حصولها على جوائز في مهرجانات دولية، مما يجعل احتضانها في مهرجان خريبكة فرصة ذهبية للتعريف بها ودعمها.
تعود أول مشاركة موريطانية إلى الدورة الأولى للمهرجان عام 1977، مع توقفات تخللها بروز أسماء لامعة مثل عبد الرحمان سيساكو، الذي لم يقتصر دوره على المشاركة، بل ترأس لجان التحكيم وتم تكريمه لاحقًا. السينما الموريطانية، التي تستمد قوتها من المجتمع المدني والمبادرات الفردية، تعمل على تحويل السينما إلى أداة تربوية في بلد يُلقب بـ”بلد المليون شاعر”، مشهد يُجسد الترابط بين الفنون الشفوية والسينما الحديثة.
مهرجان بخريبكة.. بوابة المستقبل وتحديات الحاضر.
ما يميز هذه النسخة هو الانفتاح على جمهور واسع ومتنوّع، يدعو عشاق السينما من مختلف الأعمار والخلفيات للمشاركة والاستمتاع. المهرجان لا يقتصر فقط على عروض الأفلام، بل يشمل حوارات وتكوينات وورش عمل، ما يعزز المعرفة ويعمّق فهم صناعة السينما، ويحفز على الإبداع والابتكار.
كما يرمز المهرجان إلى دينامية ثقافية واجتماعية تنبع من قلب مدينة عرفت تاريخًا صناعيًا وثقافيًا غنيًا، لتؤكد مجددًا أن السينما الإفريقية ليست مجرد صورة على الشاشة، بل رسالة حية تنقل التنوع والهوية والقصص الإنسانية العميقة.
خاتمة: دعوة للاحتفاء بالفن الإفريقي.
في زمن تتسارع فيه التقنيات وتتنوع فيه الوسائط، يبقى مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة منارات مشرقة تنير دروب صناع الأفلام وجمهور الفن السابع. هو احتفال متواصل بالحلم السينمائي الإفريقي، بوابة لإبراز الأصوات التي تستحق أن تُسمع، ولتوحيد القارات والثقافات عبر لغة عالمية تجمع بين الواقع والخيال.
ندعو جميع سكان وفناني مدينة خريبكة ونواحيها، وكل عشاق السينما الجماعية، إلى المشاركة بكثافة في هذه الدورة التي تمثل استمرارية وتطورًا في رحلة ثقافية باذخة الألوان، تلتقي فيها السينما مع المجتمع لتصنع قصصًا لا تُنسى.
تعليقات الزوار ( 0 )