✍️ أخراز لحسن

تتداخل عدة أبعاد في بنية الفعل الاجتماعي للمجتمع المغربي، وذلك كونه مجتمع يعيش وضعين مختلفين في الحاضر نفسه؛ مجتمع يتشبت بالتقليد والماضي وفي نفس الوقت يتطلع إلى الحاضر الحديث دون أن يتصالح مع فكرة الحداثة أوليا.
كيف ذلك؟
بعد الحياة القَبلية التي عاشها المجتمع المغربي والتي عرفت سوسيولوجيا نوعا من الحياة البسيطة المتقدمة ذات نظام اجتماعي منتظم ومتماسك، خاصة في الجانب التضامني وفق ثقافة المجتمع الذي عرف تعدد وتوالي انظمة حكم وصراعات مختلفة وتعدد الاديان وغيرها من التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية التي جعلت القبيلة لها نظام خاص، هذا جعل الباحثين يختلفون في تحديد مفهوم القبيلة بشكل دقيق. لكن حقبة الاستعمار كان لها وقع سلبي على القبيلة خاصة بعد الاستقلال وما خلفه المُعَمر في ما يرتبط فقط بأثار الحداثة؛ لكنها تبقى حداثة مرفوضة نظرا للطريقة التي جاءت بها (المستعمر/العدو). ومازلت أتذكر كيف كان يتحدث بعض الأجداد الذين عاشوا تلك الحقبة عن قيام أهل البلد بتدمير بعض مخلفات المستعمر من طرق وبعض البنيات ذات الاسمنت الذي يعد رمز المستعمر والتحضر مباشرة بعد الاستقلال…تعبيرا عن الغضب تجاه كل ما ينتمي لعدو هاجم أراضيهم بالقوة.

وفي علاقة هذا بالفعل يمكن أن نتحدث هنا عن زمن الانفتاح والعولمة، من خلال كون الحداثة جاءت عبر الاستعمار في البداية ثم العولمة والانفتاح بعد ذلك. ونحن على علم بعلاقة الدول “المحافظة” والنامية بالعولمة، وذلك كون هذه الأخيرة (العلاقة) خاضعة بدون قصد لإرادة القوة التي يفرضها النظام العالمي المحكوم بالصراع، بالتالي فالعولمة محكومة بارادة الدول القوية، لكنها بريئة من كل ما ينتسب إليه من خلال المنظور السابق، فهي ليست سوى انفتاح العالم عبر التواصل والتكنولوجيا. فلو كان العالم غير محكوم بالصراع وتضارب المصالح لكانت العولمة شيء آخر، ولو أن الجانب الايجابي من كل هذا يبقى واضحا في سياق العولمة، لكن توالي الدروس الأكاديمية من منظور واحد؛ سلبية العولمة، جعلنا ننظر إليها بالسوداوية (وهذا نقاش يحتاج تفصيل أكثر).

هذا كله ساهم في أزمة الفعل الإجتماعي في وقتنا الراهن، وأصبح الفعل الإجتماعي متأزم بين الحداثة المفروضة وبين التشبث بالماضي التقليدي كمرجعية. وتجليات ذلك عديدة في الواقع اليومي المعاش لمن يجيد الاشتباك مع الواقع والعيش فيه بيقضة الملاحظة العلمية، فالفعل في مجتمعنا فُرضت عليه الايديولوجية الحديثة كمرجع؛ لكنها مرفوضة لأسباب تم اختصارها فيما سلفا. هذا، وإذ نسعى في مجتمعنا الحالي إلى فعل فيه من التضامن الاجتماعي ما يكفي للتعبير عن الحياة التقليدية القبلية والهوية الثقافية التي نتشبث بها، وفي نفس الوقت نريده فعلا عقلانيا حديثا لا يضر من خلال منطق الهوية الجماعية للآخرين بالمصالح المتداخلة للآخر في عصر التضامن الميكانيكي (دوركايم) -أقصد أزمة البيروقراطية في ظل الروابط الإجتماعية والقرابة التي لم يتخلص منها الفعل الإجتماعي- وبين العلاقة مع الغير بمنطق المعرفة الكاملة للآخر اجتماعيا وبين العلاقة الحديثة الحضرية القائمة على الغرابة ومنطق العقل: تعقدت البنية المرجعية للفعل الإجتماعي، وهذا ما يمكن أن نسميه بالمرجعية المركبة للفعل الإجتماعي؛ تركيب معقد ومتناقض في كثير من الأحيان.

تحضر قوة إرادة التقليد الثقافي في الفعل الإجتماعي للمجتمع البسيط، وتتأرجح بين روح الجماعة والمؤسسة الإجتماعية المحددة للفعل، وهنا نتحدث عن قوة العادة في علاقتها بعادة القوة لِما يتطلع إلى أن يصبح في سياق “المجتمعي”. هذا ويمكن أن نتحدث هنا بمنظور آخر عن انتقال الفعل الإجتماعي التقليدي إلى المجتمع الحضري الحديث ذو طبيعة معقد ومركبة، فسعى هذا الفعل إلى الإندماج الإجتماعي دون التخلي عن المحددات الاجتماعية للفعل الإجتماعي الكلاسيكي، فوقع نوع من التلاقح بنمط عكسي؛ أي أن الفعل الإجتماعي الكلاسيكي أُرغم على الاندماج في المجتمع المعقد الحديث، فبرز فعل اجتماعي مشوه من حيت المحددات النسقية الثقافية.

أصبح الفعل الإجتماعي في المجتمع المغربي أكثر تعقيدا ولم يعد فعلا بسيط الرمزية والدلالة، فقد تتضارب رمزية الفعل حتى في نظر/اعتقاد الفرد الفاعل، ويصعب تحديد المعنى الذي يعطيه الفرد لفعله وكذا إبراز أصل ومرجعية الفعل بشكل دقيق، لكن عموما يبقى المعنى الذي يمنحه الفرد للفعل مقبولا في الحقيقة العلمية لرمزية الفعل ( حسب الفهم الڤيبري).
وهذا كله يبقى مغاير لمعايير دلالة ورمزية السلوك باعتبار هذا الأخير (السلوك) ينتمي إلى الكائن العضوي؛ وهناك استمرار للفعل العقلاني الحديث من السلوك إلى الفعل، ومن الفرد إلى الكائن العضوي، من الدلالة السيكولوجية للسلوك إلى الدلالة والرمزية للفعل من الناحية الإجتماعية حسب متغيرات الأنساق التي تتحكم في تحديد الفعل الإجتماعي بشكل كلي. علما أن النسق الإجتماعي يحدد الفعل من خلال ثقافته (الضمير يعود على النسق) الجزئية/الفرعية، وكذا القيم التي يصنعها بشكل مضبوط ومحدد الحدود والقيم والثقافة والمعايير.

تتراوح مرجعية الفعل الإجتماعي بشكل عام بين المعايير التقليدية ذات الأصل في الهوية القبلية…وبين رغبته في أن يكون فعل عقلاني حديث لكن بشكل محتشم نظرا للرفض واللاقبول واللاتصالح الكلي مع العقلانية.